للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ، صَلَاةُ دَاوُدَ) - عليه السلام - (كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ) أي النصف الأول منه. قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الظاهر أنه كان ينام من الوقت الذي يعتاد فيه النوم إلى نصف الليل، أو المراد بالليل ما سوى الوقت الذي لا يعتاد فيه النوم من أوله، والقول بأنه ينام من أول غروب الشمس بعيد. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": قال المهلّب -رحمه اللَّه تعالى-: كان داود - عليه السلام - يُجِمّ نفسه (١) بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي اللَّه تعالى فيه: "هل من سائل، فأعطيه سؤله"، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل، وهذا هو النوم عند السحر، وإنما كانت هذه الطريقة أحبّ من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يُخشى منها السآمة، وقد قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن اللَّه لا يمَلّ حتى تملّوا"، واللَّه يحبّ أن يُديم فضلَهُ، ويوالي إحسانه.

وإنما كان ذلك أرفق؛ لأن النوم بعد القيام يُريح البدن، وُيذهب ضرر السهَر، وذُبُول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء، لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القُوَى، فهو أقرب إلى أن يُخفي عمله الماضي على من يَراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد.

وحَكَى عن قوم أن معنى قوله: "أحب الصلاة" هو بالنسبة إلى من حاله مثل حال المخاطب بذلك، وهو من يشقّ عليه قيام أكثر الليل، قال: وعمدة هذا القائل اقتضاءُ القاعدة زيادة الأجر بسبب زيادة العمل لكن يعارضه هنا اقتضاءُ العادةِ والجبلّةِ التقصيرَ في حقوق يُعارضُها طولُ القيام، ومقدارُ ذلك الفائت مع مقدار الحاصل من القيام غيرُ معلوم لنا، فالأولى أن يُجرَى الحديث على ظاهره، وعمومه، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة، بمقدار تأثير كلّ منهما في الحثّ، أو المنع غير محقّق لنا، فالطريق حينئذ أن نفوّض الأمر إلى صاحب الشرع، ونَجرِي على ما دلّ عليه ظاهر اللفظ مع ما ذكرناه من قوّة الظاهر هنا. واللَّه تعالى أعلم

[تنبيه]: قال ابن التين: هذا المذكور إذا أجريناه على ظاهره، فهو في حقّ الأمة، وأما النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقد أمره اللَّه تعالى بقيام أكثر الليل، فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: ١, ٢]. انتهى. وفيه نظر؛ لأن هذا الأمر قد نسخ، كما تقدّم في حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -[٢/ ١٦٠١] (٢).


(١) - بضم الياء من الإجمام، أي يُريحها.
(٢) - انظر "الفتح" ج ٣ ص ٣٢٣.