للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَنسِ بنِ مَالِكٍ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (أَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -،قالَ: "أتيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، عَلَى مُوسَى - عليه السلام -، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ) "الكثيب" بفتح، فكسر: هو ما ارتفع من الرَّمْل، كالتَّلِّ الصغير، قيل: هذا ليس صريحا في الإعلام بقبره الشريف، ومن ثمّ اختلفوا فيه.

قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: [فإن قيل]: كيف رأى موسى - عليه السلام - يصلي في قبره، وصلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بالأنبياء ببيت المقدس، ووجدهم على مراتبهم في السموات، وسلّموا عليه، ورحّبوا به؟.

[فالجواب]: أنه يحتمل أن تكون رؤيته موسى في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى السماء، وفي طريقه إلى بيت المقدس، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء. ويحتمل أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - رأى الأنبياء صلوات اللَّه، وسلامه عليهم، وصلى بهم على تلك الحال لأوّل ما رآهم، ثم سألوه، ورحّبوا به، أو يكون اجتماعه بهم، وصلاته، ورؤيته موسى بعد إنصرافه , ورجوعه عن سدرة المنتهى. واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).

(وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) قال الشيخ بدر الدين الصاحب في مؤلّف له في حياة الأنبياء - عليهم السلام -: هذا صريح في إثبات الحياة لموسى - صلى اللَّه عليه وسلم - في قبره، فإنه وصفه بالصلاة، وإنه قائم، ومثل ذلك لا يوصف به الروح، وإنما يوصف به الجسد، وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا، فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيصه.

وقال الشيخ تقي الدين السبكيّ: في هذا الحديث أن الصلاة تستدعي جسدًا حيّا، ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون لا بدّ معها كما كانت في الدنيا، من الاحتياج إلى الطعام، والشراب، وغير ذلك من صفات الأجسام التي نشاهدها، بل يكون لها حكم آخر انتهى (٢).

وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-:

[فإن قيل]: كيف يَحُجُّون، ويُلبّون، وهم أموات، وهم في الدار الآخرة، وليست دار عمل؟.

فاعلم أن للمشايخ، وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة:


(١) - انظر "شرح مسلم" للنووي ج ٢ ص ٢٣٨.
(٢) - انظر "زهر الربى" ج ٣ ص ٢١٥ - ٢١٦.