أحدها: أنهم كالشهداء، بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجوا، ويصلوا، كما ورد في الحديث الآخر، وأن يتقرّبوا إلى اللَّه تعالى بما استطاعوا؛ لأنهم، وإن كانوا قد تُوفّوا، فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدّتها، وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء، انقطع العمل.
الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذِكْر، ودعاء، قال اللَّه تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} الآية [يونس: ١٠].
الوجه الثالث: أن تكون هذه رؤية منام، في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء، كما قال في رواية ابن عمر - رضي اللَّه عنه -: "بينا أنا نائم، رأيتني أطوف بالكعبة"، وذكر الحديث في قصة عيسى - صلى اللَّه عليه وسلم -.
الوجه الرابع. أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أُري أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومثّلوا له في حال حياتهم، كيف كانوا؟، وكيف حجّهم، وتلبيتهم، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى موسى، و"كأني أنظر إلى عيسى"، و"كأني أنظر إلى يونس" - عليهم السلام -.
الوجه الخامس: أن يكون أخبر عما أُوحي إليه - صلى اللَّه عليه وسلم -، من أمرهم, وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤية عين انتهى كلام القاضي -رحمه اللَّه تعالى- (١). قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن القول الأول هو الأرجح؛ لظواهر النصوص، ولا داعي إلى هذه التأويلات البعيدة عن ظواهر الأحاديث، فيكون الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مخصوصين من عموم حديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله … " الحديث؛ لهذه الأحاديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان, وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس بن مالك - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا ١٥/ ١٦٣١ - وفي "الكبرى" ٢٣/ ١٣٢٨ - بالإسناد المذكور و ١٦٣٣ - و"الكبرى" ١٣٢٩ و ١٦٣٤ و ١٦٣٥ و ١٦٣٦ و١٣٣٠ و ١٦٣٧ و ١٣٣١ - بالأسانيد الآتية، إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه تعالى أعلم.