للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عائشة قامت المرأة، كما في رواية حماد بن سلمة (١)، فلما قامت لتخرج مرّت به في خلال ذهابها، فسأل عنها، وبهذا تجتمع الروايات. قاله في "الفتح" (٢).

(فَذَكَرَتْ مِنْ صَلَاتِهَا) هذا تفسير لقولها: "لا تنام"، ولفظ "الكبرى"، وهي للبخاري أيضًا "تذكر من صلاتها". قال في "الفتح": بفتح الفوقانية، والفاعل عائشة، وروي بضم الياء التحتانية على البناء لما لم يُسمّ فاعله، أي يذكرون أن صلاتها كثيرة انتهى.

(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَهْ) قال الجوهري: هي كلمة مبنيّة على السكون، وهي اسم، سُمّي به الفعل، والمعنى اكفُفْ، يقال: مَهْمَتُهُ: إذا زجرتَهُ، فإن وصلتَ نَوَّنْتَ، فقلت: مَهٍ. وقال الداوديّ: أصل هذه الكلمة "ما هذا؟ "، كالإنكار، فطرحوا بعض اللفظة، فقالوا: مَة، فصيّروا الكلمتين كلمة. وهذا الزجر يحتمل أن يكونْ لعائشة، والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذَكَرتْ، ويحتمل أن يكون المراد النهي عن ذلك الفعل، وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة، فقالوا: يكره صلاة جميع الليل. قاله في "الفتح".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله جماعة هو الأرجح عندي، وهو ظاهر ما ذهب إليه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، حيث أورد الحديث في جملة أحاديث عائشة - رضي اللَّه عنها - المختلفة في إحياء الليل، فإنه يدلّ على كراهة إحياء كلّ الليل بالصلاة مثل هذه المرأة، وهو يخالف حديثها المتقدّم "إذا دخلت العشر أحيا الليل"، وقد تقدم الجمع بين أحاديثها قريبًا، فتنبه. واللَّه تعالى أعلم.

(عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يُطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلّف ما لا يطاق.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يحتمل أن يكون هذا خاصّا بصلاة الليل، ويحتمل أن يكون عامًا في الأعمال الشرعية انتهى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: سبب ورده خاصّ بالصلاة، ولكن اللفظ عامّ، وهو المعتبر.

قال الجامع - عفا اللَّه عنه -: حمله على العموم هو الصحيح، لأنه ثبت في رواية للبخاري بلفظ: "عليكم ما تطيقون من الأعمال"، فهو ظاهر في إرادة العموم. وإنما


(١) - رواية حماد بن سلمة أخرجها الحسن بن سفيان في "مسنده" من طريقه، عن هشام بن عروة، ولفظه: "كانت عندي امرأة، فلما قامت، قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ هذه يا عائشة؟ "، قلت: يا رسول اللَّه، هذه فلانة، وهي أعبد أهل المدينة … " فذكر الحديث. اهـ فتح ج ١ ص ١٢٥.
(٢) - "فتح" ج ١ ص ١٢٥ طبعة دار الريان.