عبّر بقوله:"عليكم" مع أن المخاطب النساء، طلبًا لتعميم الحكم, فغلّب الذكور على الإناث. واللَّه تعالى أعلم.
(فَوَاللَّهِ) فيه جواز الحذف من غير استحلاف، وقد يُستحبّ إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين، أو حثّ عليه، أو تنفير من محذور. (لَا يَملُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، حَتَّى تَمَلُّوا) هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبّته.
وقد تقدم اختلاف العلماء في المعنى المراد بالملل هنا، وتحقيق القول الراجح في ذلك مستوفًى في شرح حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - "كان لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حَصِيرة يبسطها بالنهار … " في-١٣/ ٧٦٢ - باب "المصلى يكون بينه وبين الإمام سُترة"، فراجعه، تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(وكان أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ) أي إلى اللَّه تعالى، أو إلى رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفي نسخة:"ولكنّ أحبّ الدين إليه". قال في "الفتح": في رواية المستملي وحده "إلى اللَّه"، وكذا في رواية عبدة، عن هشام، عند إسحاق بن راهويه في "مسنده"، وكذا عند البخاريّ ومسلم من طريق أبي سلمة، ولمسلم عن القاسم، كلاهما عن عائشة، وقال باقي الرواة عن هشام:"وكان أحبّ الدين إليه"، أي إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وصرح به البخاريّ في "الرقاق" في رواية مالك، عن هشام، وليس بين الروايتين تخالف, لأن ما كان أحبّ إلى اللَّه, كان أحبّ إلى رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -. (مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) أي الذي استمرّ عليه، ولم ينقطع عنه، وإن كان قليلاً، ففي الرواية [١٦٥٥] من طريق أبي سلمة، عن عائشة - رضي اللَّه عنها -: "وكان أحبّ العمل إليه ما داوم عليه، وإن قلّ".
قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: بدوام القليل تستمرّ الطاعة بالذكر، والمراقبة، والإخلاص، والإقبال على اللَّه، بخلاف الكثير الشاقّ حتى ينمو القليل الدائم، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة.
وقال ابن الجوزيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إنما أَحَبّ الدائم لمعنيين:
أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرّض للذمّ، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية، ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعيّن عليه.
ثانيهما: أن مُداوِم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس مَنْ لازَمَ الباب في كلّ يوم وقتًا ما، كمن لازم يوما كاملاً، ثم انقطع انتهى (١).