قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: مَثَلُ العمل الكثير الشاقّ المنقطع مثل المطر الغزير الذي ينزل بكثرة كأفواه القِرَب في يوم واحد، بحيث يهدم البيوت، ويُفسد الزروع، ويَقطع السُّبُل، ويموت كثير من الناس، والبهائم بسيوله، ثم ينقطع في اليوم الثاني، فإنه مضرّة، لا تنتفع منه البلاد، ولا يستفيد منه العباد.
ومثل العمل القليل الدائم، كمثل المطر القليل الذي ينزل كل وقت بحسب الحاجة، فيُنبت الزرع، ويُدرّ الضرع، ويملأ الأودية بمياهه، فينتفع به الناس، والبهائم، فإنه نفع محض؛ لنفعه البلاد، وإغاثته العباد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا-١٧/ ١٦٤٢ وفي "الإيمان" ٢٩/ ٥٠٣٧ - وفي "الكبرى" ٩/ ١٣٠٧ - بالإسناد المذكور، واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ) ١/ ١٧ (م) ٢/ ١٨٩ و ٢/ ١٩٠ (ت) في "الشمائل" ٣١١ (ق) ٤٢٣٨ (أحمد) ٦/ ٤٦ و ٦/ ٥١ و ٦/ ١٩٩ و ٦/ ٢١٢ و ٦/ ٢٣١ و ٦/ ٢٤٧ و٦/ ٢٦٨ (عبد بن حُميد) ١٤٨٥ (ابن خزيمة) ١٢٨٢. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: كراهة إحياء الليل كله بالعبادة، خشية الفتور، والملل على فاعله، فينقطع عن عبادة التزمها، فيكون رجوعًا عما بذل لربّه من نفسه. ومنها: جواز مدح الإنسان بما فيه من أعمال الخير. ومنها: استحباب الاقتصاد في العبادة، وكراهة التنطّع، والتعمّق فيها. ومنها: أن اللَّه تعالى يعامل عبده بما يعامله به هو، فإن أدام الإقبال عليه، أقبل عليه دائما، وإن أعرض عنه أعرض عنه، جزاء وفاقًا. ومنها: أن أحب الدين إلى اللَّه تعالى، وإلى رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - ما داوم عليه صاحبه، وإن كان قليلاً. ومنها: ما قاله النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا دليل لمذهبنا، ومذهب جماعة، أو الأكثرين، أن صلاة جميع الليل مكروهة، وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به، وهو رواية عن مالك، إذا لم يَنَم عن الصبح انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الأولون هو الحقّ؛ لصريح حديث الباب، فقد أنكر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك علي هذه المرأة، ففي "موطأ مالك" -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا الحديث