للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في حكم الوتر:

قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: دلت الأخبار على أن فرائض الصلوات خمس، وسائرهنّ تطوّع، وهو قول عوامّ أهل العلم، غير النعمان، فإنه خالفهم، وزعم أن الوتر فرض، وهذا القول مع مخالفته للأخبار الثابتة عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خلاف ما عليه عوامّ أهل العلم، عالمهم، وجاهلهم، ولا نعلم أحدًا سبقه إلى ما قال، وخالفه أصحابه، فقالوا كقول سائر الناس. انتهى (١).

وقال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي -رحمه اللَّه تعالى- في "كتاب الوتر": افترض اللَّه على النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأمته أول ما افترض ليلة أُسري به خمس صلوات في اليوم والليلة، فأخبر النبيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك أمته، ثم لم يزل بعد هجرته، وقدومه المدينة، ونزول الفرائض عليه، فريضة بعد فريضة، من الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، يُخبر بمثل ذلك إلى أن توفّي- صلوات اللَّه، وسلامه عليه- وقَدِمتْ وفودُ العرب، بعد فتح مكة، ورجوعه إلى المدينة، وذلك في سنة تسع وعشر، من البادية، ونواحيها، يسألونه عن الفرائض، يخبرهم في كلّ ذلك أن عدد الصلوات المفترَضَات خمس، ووجّه معاذَ بنَ جبل إلى اليمن، وذلك قبل وفاته بقليل، فأمره أن يُخبرهم بأن فرض الصلوات خمس، ثم آخره ما خطب به بذلك في حجة الوداع (٢)، فأخبرهم أن عدد الصلوات المفترَضات خمس، لا أكثر من ذلك، وفيها نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية [المائدة: ٣]، ثم لم ينزل بعد ذلك فريضة، ولا حرام، ولا حلال، فرجع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فمات بعد رجوعه بأقلّ من ثلاثة أشهر، ثم أخبر أبو بكر - رضي اللَّه عنه - بذلك بعد وفاته، ثم أخبر علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - أن الوتر ليس بحتم، كالصلوات المكتوبة، ولكنه سنة، وغير جائز أن يكون مثل أبي بكر، وعلي - رضي اللَّه عنهما - يجهلان فريضة صلاة من الصلوات المفروضات، وهما يحتاجان إليها في كلّ ليلة، حتى يجحدا فرضها، مَن ظنّ هذا بهما، فقد أساء الظنّ بهما. قال: وكان أبو حنيفة يوجب الوتر،


(١) - "الأوسط" ج ٥ ص ١٦٧ - ١٦٨.
(٢) - قال محمد بن نصر: حدثنا علي بن حُجر، أخبرنا فَرَج بن فَضَالة، عن لقمان، عن أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -، قال: خطبنا النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في حجة الوداع، فقال: ألا لعلكم لا تروني بعد عامكم هذا، فقام إليه رجل، فقال: يا رسول اللَّه، ما الذي تَعهَد إلينا؟ قال: "اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحُجوا بيتكم، وأدوا زكاتكم، طيّبة بها أنفسكم، تدخلوا الجنة". انتهى.
قال الجامع: رجال هذا الإسناد ثقات، غير لقمان بن عامر الوصّابي، فإنه صدوق، وفرج بن فضالة، ضعّفوه في غير الشاميين، وهذا من أحاديث الشاميين، فالحديث حسن. واللَّه أعلم.