للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"وأن أوتر قبل أن أنام"- ولعله أوصاه بذلك لأنه خاف عليه الفوت بالنوم، ففيه أن من خاف فوات الوتر، فالأفضل له التقديم، وأما من لا يخاف منه، فالتأخير في حقّه أفضل.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا معارضة بين وصيّة أبي هريرة بالوتر قبل النوم، وبين قول عائشة: "وانتهى وتره إلى السحر", لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوّة، كما ورد في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - عند مسلم. انتهى.

(وَصِيَامِ ثَلَاَثةِ أَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرِ) أي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، يعني الأيام البيض، هذا هو الظاهر، كما قاله في "الفتح". وقيل: يوما من أوله، ويومًا من وسطه، ويومًا من آخره، وقيل: يوما من أول كلّ عشر. وإعراب "صيام" كسابقه (وَرَكْعَتَي الضُّحَى) زاد أحمد فى روايته: "كلّ يوم".

وقال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: لعله ذكر الأقلّ الذي يوجد التأكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلّة القول والفعل، لكن ما واظب النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على فعله مرجَّحٌ على ما لم يواظب عليه (١).

ومن فوائد ركعتي الضحى أنهما يجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كلّ يوم، وهي ثلاثمائة وستون مَفْصِلاً، كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه -، وقال فيه: "ويجزىء عن ذلك ركعتا الضحى".

[تنبيه]: حكى الحافظ أبو الفضل العراقي -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح الترمذيّ" أنه اشتهر بين العوامّ أن من صلّى الضحى، ثم قطعها يَعْمَى، فصار كثير من الناس يتركونها أصلاً لذلك، وليس لما قالوه أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوامّ، ليَحْرِمهم الخيرَ الكثيرَ، لا سيّما ما وقع في حديث أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - انتهى (٢).

[تنبيه آخر]: هذه الوصيّة لأبي هريرة - رضي اللَّه عنه - ورد مثلها لأبي الدرداء - رضي اللَّه عنه -، فيما رواه مسلم، ولأبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - فيما رواه النسائي.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة، والصيام، ليدخل في الواجب منها بانشراح، ولينجبر ما لعلّه يقع فيه من نقص. قال: واقتصر في الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة, لأن


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٣٧٥.
(٢) - المصدر المذكور.