للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر: أُوتر معهم، ولا أُخالفهم، لا أحبّ أن أنصرف، ولا أُوترَ معهم؛ لحديث أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته … الحديث (١).

قال ابن المنذر: وقد ثبت أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهنّ، وأوتر بسبع، وثبت أنه أوتر بتسع، لا يقعد فيهنّ إلا عند الثامنة، ثم قعد في التاسعة، فأيُّ فعل مما جاء به الحديث من أْفعال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الوتر فعله رجل، فقد أصاب السنّة، غير أن الأكثر من الأخبار، والأعمّ منها أنه سئل عن صلاة الليل، فقال: "مثنى مثنى"، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة، وإن شاء المصلي صلى ركعتين ركعتين، وإذا أراد أن يوتر بثلاث صلى ركعتين، قرأ في الأولى منها بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثم يسلم، ويأتي بالركعة الثالثة، ويقرأ فيها بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين (٢). انتهى كلام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- بتصرّف، واختصار (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- بحث نفيسٌ جدَّا. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" عند قوله: "فإذا خشي أحدكم الصبح، صلّى ركعة واحدة": ما نصه: واستُدلّ به على أن فصل الوتر أفضل من وصله.

وتُعقب بأنه ليس صريحًا في الفضل، فيحتمل أن يريد بقوله: "صلَّى ركعة واحدة" أي مضافة إلى ركعتين مما مضى.

واحتجّ بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيّن الوصل، والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولةِ حسنٌ جائزٌ، واختلفوا فيما عداه، قال: فأخذنا بما أجمعوا عليه، وتركنا ما اختلفوا فيه.

وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك، عن أبي هريرة، مرفوعًا وموقوفًا: "لا توتروا بثلاث، تشبّهوا بصلاة المغرب". وصححه الحاكم من طريق عبد اللَّه بن الفضل، عن أبي سلمة، والأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه،


(١) - تقدم للمصنف بنحوه في "باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف" ٣/ ٨٣.
(٢) - وأفاد الحافظ أن حديث ابن عباس، وأبي بن كعب لإسقاط المعوّذتين أصحّ، وقال ابن الجوزي: أنكر أحمد، ويحيى بن معين زيادة المعوذتين اهـ "التلخيص الحبير" ج ٢ ص٤٠. النسخة المحققة.
(٣) - "الأوسط" ج ٥ ص ١٨٥ - ١٨٨.