الحديث: إن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أوتر بثلاث، لم يسلّم في الركعتين، فكان يكون حجةً لمن أوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين، إنما قال: لم يسلّم في ركعتي الوتر، وصدق في ذلك الحديث أنه لم يسلّم في الركعتين، ولا في ثلاث، ولا في أربع، وفي الخمس، ولا في الستّ، ولم يجلس أيضًا في الركعتين، كما لم يسلّم فيهما. انتهى كلام ابن نصر -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن نصر -رحمه اللَّه تعالى- في تأويل
الرواية المذكورة حسنٌ جدَّا.
وحاصله أن الحديث بهذا اللفظ المختصر غير صحيح، وإنما الصحيح من حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هو الطويل المذكور آنفًا. واللَّه تعالى أعلم.
[مسألة]: في اختلاف العلماء في حكم الفضل والوصل بين الشفع والوتر لمن يوتر بثلاث ركعات:
قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف أهل العلم في الفصل بين الشفع والوتر، فرأت طائفة أن يفصل بينهما، وممن فعل ذلك ابن عمر،، كان يسلّم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته، وكان معاذ بن أبي حليمة القارئ يسلّم من الثنتين في الوتر، وبه قال عبد اللَّه بن عيّاش بن أبي ربيعة، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وحكى أبو ثور عن الكوفيّ أنه قال: لا يفصل بين الركعة والركعتين بسلام، ولا يكون الوتر ركعة، وقال أبو ثور: الوتر في اللغة هو الواحد المفرد، والشفع هو الشيء المجتمع. وقال الأوزاعيّ في الفضل بين الركعتين والركعة الآخرة: إن فعل فحسن، وإن تركه فحسن.
وكان مالك يقول فيمن نسي أن يسلّم بين الركعتين اللتين قبل الوتر، وبين الوتر حتى استوى قائمًا للثالثة، وهو ممن يَغفُلُ قال: إن ذكر قبل أن يركع جلس، ثم سلّم، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن لم يذكر حتى ركع فليمض، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام.
وعنه في الإمام الذي يوتر بالناس في رمضان بثلاث لا يسلّم بينهنّ: أرى أن يصليَ خلفه بصلاته، ولا يخالفه.
وعنه قال: لقد كنت أنا أصلي معهم مرّة، فإذا كان الوتر انصرفت، ولم أوتر معهم.