للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: يُكتفى بذلك مطلقا، كما لو عيّنه، لأنه مأمون في الحالتين معًا، فإن كان القائل عالمًا مجتهدًا، كمالك، والشافعيّ، -وكثيرًا ما يفعلان ذلك- كفى في حقّ موافقه في المذهب، لا غيره عند بعض المحققين، قال ابن الصبّاغ: لأنه لم يورد ذلك احتجاجًا بالخبر على غيره، بل يذكر لأصحابه قيامَ الحجة عنده على الحكم، وقد عَرَف هو مَن روى عنه ذلك، واختاره إمام الحرمين، ورجّحه الرافعيّ، في شرح "المسند" (١)، وفَرَضَه في صدور ذلك من أهل التعديل. وقيل: لا يكفي أيضًا حتى يقول: كلّ من أروي لكم عنه، ولم أسمّه فهو عدلٌ. قال الخطيب: وقد يوجد في بعض من أبهموه الضعف لخفاء حاله، كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي الْمُخارق انتهى (٢).

وإلى هذا أشار الحافظ السيوطيّ في "ألفية الحديث"، حيث قال:

وَإن يَقُلْ حَدَّثَ مَنْ لَا أَتَّهِمْ … أَوْ ثِقَةٌ كُلُّ شَيْخٍ لِي وُسِمْ

بِثِقَةٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ مُبْهَمِ … لَا يُكْتَفَى عَلَى الصَّحِيحِ فَاعْلَم

وَيكْتَفَى مِنْ عَالِمِ فِي حَق مَنْ … قَلَّدَهُ وَقِيلَ لَا مَا لَمْ يُبَنْ (٣)

(عَن عَائِشَةَ، وَعَنْ مَيْمُونَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنهما -.

وفيه دلالة على أن الوتر لا يكون أقلّ من خمس ركعات، وفيه ما سيأتي قريبًا إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث غير صحيح؛ لأمور:

منها: أنه يدلّ على أن الوتر لا يكون أقلّ من خمس، وهذا مخالف لما تقدم من الأحاديث الصحيحة في جواز الإيتار بالثلاث والواحدة.

ومنها: أن في إسناده مبهمًا، وهو شيخ مِقْسَم، وقد تقدم آنفًا أن مثل هذا لا يقبل على الصحيح.

ومنها: أنّ فيه اضطرابًا، فقد رواه سفيان بن الحسين عن الحكم موقوفًا عليهما، كما في هذه الرواية، وقد خالفه شعبةُ، فرواه عن الحكم، مرفوعًا، كما تقدّم في رواية "الكبرى" من طريقه.

والحاصل أن هذا الحديث غير صحيح. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - أي شرح مسند الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-.
(٢) - انظر "التقريب" مع شرحه "التدريب" ج ١ ص٣١٠ - ٣١١. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف الطبعة الثانية.
(٣) - انظر "ألفية الحديث" للسيوطي ص ١٠١ بنسخة تعليق العلامة أحمد محمد شاكر -رحمهما اللَّه تعالى-.