للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(بِالْأُولَى) أي عن الأولى، فالباء بمعنى "عن"، وهي متعلقة بـ "سكت"، يقال: سكت عن كذا، ويحتمل أن تكون سببيّة، والكلام على حذف مضاف، أي بسبب الانتهاء من الأولى، والمراد بالأولى الأذان الذي يُؤَذَّن به عند دخول الوقت، وهو أول باعتبار الإقامة، وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر، وإنما أنّثه، فقال: بـ "الأولى"، مع كونه مذكّرًا إما لمؤاخاته للإقامة، أو لتأويله بالمناداة، أو الدعوة، ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف، والتقدير: إذا سكت بالمرة الأولى. واللَّه تعالى أعلم.

(مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ) بيان لـ "الأولى"، أي من أذان صلاة الفجر (قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) فيه استحباب تخفيف ركعتي الفجر، وقد تقدّم تمام البحث فيه برقم ٤٠/ ٩٤٦ (قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَتَبَيْنَ الْفَجْرُ) فيه أن وقت ركعتي الفجر بعد تبيّن الفجر، وانتشار ضوئه، وتقدم في الباب الماضي (ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ) فيه استحباب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشقّ الأيمن.

والتقييد بأن الاضطجاع كان على الشقّ بالأيمن يشعر بأن حصول المشروع لا يكون إلا بذلك، لا بالاضطجاع على الجانب الأيسر، ولا شكّ في ذلك مع القدرة، وأما مع التعذّر، فهل يحصل المشروع بالاضطجاع على الأيسر أم لا؟ بل يشير إلى الاضطجاع على الشقّ الأيمن، جزم بالثاني ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو الظاهر، والحكمة في ذلك أن القلب معلق في الجانب الأيسر، فإذا اضطجع على الجانب الأيسر غلبه النوم، وإذا اضطجع على الأيمن قَلِقَ لقلق القلب، وطلبه لمستقرّه. أفاده الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى- (١). وسيأتي بيان مذاهب العلماء في حكم هذا الاضطجاع في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.

[تنبيه]: عقد المصنف -رحمه اللَّه تعالى- في "الكبرى" لاستحباب الجلوس بعد الاضطجاع بابًا، فقال: [القعود بعد الاضطجاع]

١٤٥٦ - أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم، قال: نا محمد بن صَلْت، كوفيّ، قال: نا أبو كُدَينة، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: "كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يضطجع بعد ركعتي الفجر على شقّه الأيمن، ثم يجلس". قال أبو عبد الرحمن: اسم أبي كُدَينة يحيى بن الْمُهلّب انتهى (٢).

ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح، ففيه استحباب الجلوس بعد الاضطجاع. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه آخر]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: أخرج البيهقيّ، من طريق موسى بن


(١) - "نيل الأوطار" ج ٣ ص ٣٢.
(٢) - "السنن الكبرى" ج ١ ص ٤٥٥.