أنه لم يكن في الباب إلا مجرّد الفعل، وقد عرفت ثبوت القول من وجه صحيح.
ومنها: أن أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر، وفي بعضها بعد ركعتي الفجر. وفي حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر، وقد أشار القاضي عياض إلى أن رواية الاضطجاع بعدهما مرجوحة، فتُقدّم رواية الاضطجاع قبلهما، ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما: إنه سنة، فكذا بعدهما.
والجواب عن ذلك بأنا لا نُسلّم أرجحية رواية الاضطجاع بعد صلاة الليل، وقبل ركعتي الفجر على رواية الاضطجاع بعدهما، بل رواية الاضطجاع بعدهما أرجح، والحديث من رواية عروة، عن عائشة، ورواه عن عروة محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، والزهريّ، ففي رواية محمد بن عبد الرحمن إثبات الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وهي في "صحيح البخاريّ"، ولم تختلف الرواية عنه في ذلك، واختلف الرواة عن الزهريّ، فقال مالك في أكثر الروايات عنه: إنه كان إذا فرغ من صلاة الليل اضطجع على شقه الأيمن … الحديث، ولم يذكر الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وقال معمر،
ويونس، وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وابن أبي ذئب، وشعيب بن أبي حمزة، عن عروة، عن عائشة: كان إذا طلع الفجر، صلّى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، وهذه الرواية اتفق عليها الشيخان، فرواها البخاريّ، من رواية معمر، ومسلم من رواية يونس، وعمرو بن الحارث.
قال البيهقيّ عقب ذكرهما: والعدد أولى بالحفظ من الواحد، قال: وقد يحتمل أن يكونا محفوظين، فنقل مالك أحدهما، ونقل الباقون الآخر، قال: واختلف فيه أيضًا على ابن عباس، قال: وقد يَحتَمِلُ مثل ما احتمل في رواية مالك.
وقال النوويّ: إن حديث عائشة، وحديث ابن عباس، لا يخالفان حديث أبي هريرة، فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلهما أن لا يضطجع بعدهما، ولعله - صلى اللَّه عليه وسلم - ترك الاضطجاع بعدهما في بعض الأوقات بيانًا للجواز.
ويحتمل أن يكون المراد بالاضطجاع قبلهما هو نومه - صلى اللَّه عليه وسلم - بين صلاة الليل، وصلاة الفجر، كما ذكره الحافظ.
قال الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى-: إذا عرفت الكلام في الاضطجاع تبيّن لك مشروعيّته، وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يعارض الأمر للأمة الخاصّ بهم، ولاح لك قوة القول بالوجوب. انتهى (١).