رأيته يطلب حديثًا بالبصرة، ولا بالكوفة قطّ، وكنت أجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة، أُذاكره بحديث الأعمش، لا يعرف منه حرفًا. وقال عمرو الفلاّس: سمعت أبا داود يقول: عَمَدَ عبدُ الواحد إلى أحاديثَ كان يرسلها الأعمش، فوصلها، يقول: حدثنا الأعمش، حدثنا مجاهد في كذا وكذا انتهى. وهذا من روايته عن الأعمش، وقد رواه الأعمش بصيغة العنعنة، وهو مدلّس. وقال عثمان بن سعيد الدارميّ: سألت يحيى بن معين، عن عبد الواحد بن زياد؟ فقال: ليس بشيء.
والجواب عن هذا الجواب أن عبد الواحد بن زياد قد احتجّ به الأئمة الستّة، ووثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، وقد رُوي عن ابن معين ما يُعارض قوله السابق فيه من طريق من روى عنه التضعيف له، وهو عثمان بن سعيد الدارميّ المتقدّم، فرَوَى عنه أنه قال: إنه ثقة، وروى معاوية بن صالح، عن يحيى ابن معين أنه صرّح بأن عبد الواحد من أثبت أصحاب الأعمش. قال العراقيّ: وما رُوي
عنه من أنه ليس بثقة، فلعله اشتبه على ناقله بعبد الواحد بن زيد، وكلاهما بصريّ. ومع هذا فلم ينفرد به عبد الواحد بن زياد، ولا شيخه الأعمش، فقد رواه ابن ماجه من رواية شعبة، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، إلاّ أنه جعله من فعله، لا من قوله.
ومنها: أنه اختُلف في حديث أبي هريرة المذكور، هل هو من أمر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، أو من فعله، كما تقدّم؟ وقد قال البيهقيّ: إن كونه من فعله أولى أن يكون محفوظًا.
والجواب عن هذا أن وروده من فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - لا ينافي كونه ورد من قوله، فيكون عند أبي هريرة الحديثان: حديث الأمر به، وحديث ثبوته من فعله، على أن الكلّ يفيد ثبوت أصل الشرعيّة، فيردّ نفيُ النافين.
ومنها: أن ابن عمر لما سمع أبا هريرة يروي حديث الأمر به، قال: أكثر أبو هريرة على نفسه.
والجواب عنه أن ابن عمر سُئل، هل تنكر شيئًا مما يقول أبو هريرة؟ فقال: لا، وإن أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظتُ، ونسُوا. وقد ثبت أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - دعا له بالحفظ.
ومنها: أن أحاديث الباب ليس فيها الأمر بذلك، إنما فيها فعله - صلى اللَّه عليه وسلم -، والاضطجاع من فعله المجرّد إنما يدلّ على الإباحة عند مالك، وطائفة.
والجواب عنه منع كون فعله لا يدلّ إلا على الإباحة، والسندُ أن قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية, [الحشر: ٧]، وقوله: {فَاتَّبِعُونِي} آية [آل عمران: ٣١] يتناول الأفعال، كما يتناول الأقوال.
وقد ذهب جمهور العلماء، وأكابرهم إلى أن فعله يدلّ على الندب، وهذا على فرض