واختُلف في مدة مرضه، فالأكثرون على أنها ثلاثة عشر يومًا، وقيل: بزيادة يوم، وقيل: بنقصه، والقولان في "الروضة"، وصدر بالثاني، وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيميّ في مغازيه، وأخرجه البيهقيّ بإسناد صحيح.
وكانت وفاته يوم الاثنين بلا خلاف، من ربيع الأول، وكاد يكون إجماعًا، لكن في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - عند البزّار في حادي عشر رمضان، ثم عند ابن إسحاق: والجمهور أنها في الثاني عشر منه، وعند موسى بن عقبة، والليث، والخوارزميّ، وابن زبر: مات لهلال ربيع الأول، وعند أبي مِخْنَف، والكلبيّ في ثانيه، ورجّحه السهيليّ، وعلى القولين يتنزّل ما نقله الرافعيّ أنه عاش بعد حجته ثمانين يومًا، وقيل: أحدًا وثمانين، وأما على ما جزم به في "الروضة"، فيكون عاش بعد حجته تسعين يومًا، أو أحدا وتسعين.
وقد استشكل ذلك السهيليّ، ومن تبعه -أعني كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول- وذلك أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان أوله يوم الخميس، فمهما فُرضت الشهور الثلاثة توامّ، أو نواقص، أو بعضها لم يصحّ، وهو ظاهر لمن تأمّله.
وأجاب البارزي، ثم ابن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل، وكان أهل مكة والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة، فرآه أهل مكة ليلة الخميس، ولم يره أهل المدينة إلا ليلة الجمعة، فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة، ثم رجعوا إلى المدينة، فأرخوا برؤية أهلها، فكان أولُ ذي الحجة الجمعة، وآخره السبت، وأول المحرّم الأحد، وآخره الاثنين، وأول صفر الثلاثاء، وآخره الأربعاء، وأول ربيع الأول الخميس، فيكون ثاني عشره الاثنين.
قال الحافظ: وهذا الجواب بعيد من حيث إنه يلزم توالي أربعة أشهر كوامل، وقد جزم سليمان التيميّ أحد الثقات بأن ابتداء مرض النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يوم السبت الثاني والعشرين من صفر، ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، فعلى هذا كان صفر ناقصًا، ولا يمكن أن يكون أول صفر السبت إلا إن كان ذو الحجة والمحرّم ناقصين، فيلزم منه نقص ثلاثة أشهر متوالية. وأما على قول من قال: مات أول يوم من ربيع الأول، فيكون اثنان ناقصين، وواحد كاملاً، ولهذا رجحه السهيليّ.
وفي "المغازي لأبي معشر" عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الأربعاء لإحدى عشرة مضت من صفر، وهذا موافق لقول سليمان التيميّ المقتضي لأن أول صفر كان السبت.
وأما ما رواه ابن سعد من طريق عمر بن عليّ بن أبي طالب، قال: اشتكى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر، فاشتكى ثلاث عشرة ليلة، ومات يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول، فيرد على هذا الإشكال المتقدّم، وكيف يصحّ أن