للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حِبَرٌ، وحبَرَات، مثلُ عِنَبٍ، وعِنَبَاتٍ انتهى (١) (فَكَشَف) أي أبو بكر - رضي اللَّه عنه - (عَنْ وَجْهِهِ) أي وجه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - (ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ) وفي نسخة: "فأكبّ"، وهو من الإكباب، يقال: أكبّ الرجلُ على الشيء: أقبل عليه يفعله، ولزمه. قاله في "اللسان" (فَقَبَّلَهُ، فَبَكَى) فيه جواز تقبيل الميت، والبكاء عليه (ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ) متعلّق بمحذوف، أي أَفْديك بأبي، وفي رواية البخاريّ: "بأبي أنت وأمي يا نبي اللَّه" (وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا) اختُلف في المراد به، فقيل: أشار به إلى الردّ على من زعم أنه سيَحْيَا، فيَقطَع أيدي رجال، لأنه لو صحّ ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرمُ على اللَّه من أن يجمع اللَّه عليه موتتين، كما جمعهما على غيره، كالذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوف، وكالذي مرّ على قرية، وهذا أوضح الأقوال، وأسلمها. وقيل: أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره، إذ يحيا ليُسأل، ثم يموت. وهذا جواب الداوديّ. وقيل: لا يجمع اللَّه عليك موت نفسك، وموت شريعتك. وقيل: كَنَى بالموت الثاني عن الكرب، أي لا تَلقَى بعد كرب هذا الموت كربًا آخر. أفاده في "الفتح" (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي القول الأول هو الأرجح -كما أشار إليه الحافظ- لأن قوله: "أما الموتة الأولى الخ" يؤيده، ولأن هذا الكلام إنما قاله أبو بكر - رضي اللَّه عنه - للردّ على عمر - رضي اللَّه عنه - في قوله: إن اللَّه تعالى يبعثه، فيقطع أيدي رجال، وأرجلهم.

فقد أخرج البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه"-٣٦٦٧ - من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي اللَّه عنها -: "أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مات، وأبو بكر بالسُّنْح، فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنّه اللَّه، فليقطعنّ أيدي رجال، وأرجلهم، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقبله، فقال: بأبي أنت وأمي طِبْت حيّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يُذيقك اللَّه الموتتين أبدًا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رِسْلِك، فلما تكلّم أبو بكر جلس عمر، فحمد اللَّه أبو بكر، وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدًا - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه، فإن اللَّه حي لا يموت، وقال: {إِنَكَ مَيتٌ وإِنَهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤]، قال: فنَشَجَ الناسُ (٣) يبكون … الحديث.


(١) - "المصباح المنير" في دادة حبر.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ٤٥٠.
(٣) - نشَج الباكي يَنْشِج نَشِيجاً: غُصّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. اهـ ق.