للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لرفعة منزلته عند اللَّه تعالى، حيث إنه اختاره للرفيق الأعلى، وقد وعده اللَّه تعالى أن يجعل له الآخرة خيرًا من الدنيا، حيث قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: ٤]، ولذا قال لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم" (يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ) بنون الجماعة، وفي "الكبرى": "أنعاه" بهزة المتكلّم، وهو مضارع نعى الميَت يَنعَاه نَعْيًا بسكون العين، ونَعِيّا بكسرها، وتشديد الياء. إذا أخبر بموته. وقيل: الصواب "إلى جبريل نعاه" -أي بصيغة الماضي- جزم بذلك سبط ابن الجوزيّ في "المرآة"، قال الحافظ: والأولى موجّه، فلا معنى لتغليط الرواة بالظنّ انتهى (١) (يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِردَوْسِ مأْوَاهُ) وفي رواية البخاريّ: "مَنْ جنةُ الفردوس مأواه". قال في "الفتح": بفتح الميم في أوله على أنها موصولة، وحكى الطيبيّ عن نسخة من "المصابيح" بكسر الميم على أنها حرف جرّ، قال: والأول أولى.

زاد البخاريّ في روايته السابقة: "فلما دُفِن قالت فاطمة - عليها السلام -: يا أنس أطابت أنفسكم أن تَحْثُوا على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - التراب".

قال في "الفتح": وهذا من رواية أنس، عن فاطمة، وأشارت - عليها السلام - بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك، لأنه يدلّ على خلاف ما عرفته منهم، من رقّة قلوبهم عليه لشدّة محبتهم له، وسكت أنس عن جوابها، رعاية لها، ولسانُ حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، إلا أنا قَهَرناها على فعله امتثالا لأمره.

وقد قال أبو سعيد فيما أخرجه البزّار بسند جيّد: "وما نَفَضنا أيدنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا". ومثله في حديث ثابت، عن أنس عند الترمذيّ وغيره، يريد أنهم وجدوها تغيّرت عما عهدوه في حياته، من الأُلْفَة، والصفاء، والرِّقّة، لفقدان ما كان يُمدّهم به من التعليم، والتأديب. انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه البخاريّ.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكره، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا-١٣/ ١٨٤٤ - وفي "الكبرى" ١٣/ ١٩٧١ - وأخرجه (خ) ٤٤٦٢ (ق) ١٦٢٩ و ١٦٣٠ (أحمد) ١٢٠٢٦ و ١٢٦١٩ (الدارمي) ٨٧ واللَّه تعالى أعلم.

المسألة الثالثة: في فوائده:

منها: ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو جواز البكاء على الميت، إذ لو كان


(١) - "فتح" ج ٨ ص ٤٩٨.
(٢) - "فتح" ج ٨ ص ٤٩٨ - ٤٩٩.