للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ممنوعًا لحذّرها النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - حين توجّعت بقولها: "واكرب أباه"، ولأنها - رضي اللَّه عنها - بكت عليه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد موته، ولم ينكر الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ذلك عليها. ومنها: جواز التوجّع للميت عند احتضاره بمثل قول فاطمة - رضي اللَّه عنها - "واكرب أباه"، وأنه ليس من النياحة المحرّمة، لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أقرّها على ذلك. ومنها: أن قولها بعد أن قُبض: "وا أبتاه الخ" يؤخذ منه -كما قال الحافظ- أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متّصفًا بها لا يُمنع ذكره لها بعد موته، بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهرًا، وهو في الباطن بخلافه، أو لا يتحقّق اتصافه بها, فيدخل في المنع. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٨٤٥ - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ, قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ, عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ, قَالَ: فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ, وَأَبْكِى, وَالنَّاسُ يَنْهَوْنِي, وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - لَا يَنْهَانِي, وَجَعَلَتْ عَمَّتِى تَبْكِيهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «لَا تَبْكِيهِ, مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا, حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».

رجال الإسناد: خمسة:

١ - (عمرو بن يزيد) أبو بُرَيد الجَرْميّ البصريُّ، صدوق [١١] ٠٠/ ١٣٠.

٢ - (بهز بن أسد) العميّ، أبو الأسود البصريّ، ثقة ثبت [٩] ٢٤/ ٢٨.

٣ - (شعبة) بن الحجاج البصري الإمام الحافظ الحجة [٧] ٢٤/ ٢٦.

والباقيان تقدما في الباب الماضي.

وقوله: "ينهوني" بنون واحدة، وكذا عند البخاريّ، وفي رواية الكُشميهني "ينهونني" بنونين، إحداهما نون الرفع، والثانية نون الوقاية، وهو واضح، ووجه الأول أنه حذف منه إحدى النونين، والصحيح أن المحذوف نون الرفع، لأنه عُهد حذفها لغير ذلك، ولأنها نائبة عن الضمّة التي تحذف تخفيفا (١).

والحديث متفق عليه، وقد تقدّم تمام البحث فيه في الباب الماضي. وموضع الاستدلال للترجمة قوله: "ورسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لا ينهاني"، حيث أقرّه على البكاء على أبيه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - راجع "حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الخلاصة" ج١ ص٨٠.