للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا في هذا الحديث. وقال ابن الجوزيّ: صائر، وصِير بمعنى واحد انتهى (١).

(فَجَاءَهُ) وفي نسخة: "فجاء" (رَجُلٌ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وكأنه أُبِهمَ عمدًا، لما وقع في حقّه من غضّ عائشة منه (فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ) أي امرأته، وهي أسماء بنت عُمَيس الخَثْعَميّةُ، ومن حضر عندها، من أقاربها، وأقارب جعفر، ومن في معناهنّ، ولم يذكر أهل العلم بالأخبار لجعفر امرأة غير أسماء. قاله في "الفتح" (٢) (يَبْكِينَ) ولفظ أبي عوانة من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى: "قد كثُر بكاؤهنّ" وعند ابن حبّان من طريق عبد اللَّه بن عمرو، عن يحيى بلفظ: "قد أكثرن بكاءهنّ".

ولفظ الشيخين، "فقال: إن نساء جعفر -وذكر بكاءهنّ-"، قال الطيبيّ: هو حال عن المستتر في قوله:، "فقال"، وحذف خبر "إنّ" من القول المحكيّ لدلالة الحال عليه، والمعنى قال الرجل: إن نساء جعفر فعلن كذا مما لا ينبغي من البكاء المشتمل على النَّوْح انتهى (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "انْطَلِقْ، فَانَّههُنَّ"، فَانْطَلَقَ) أي فنهاهنّ، فلم يُطعنه (ثُمَّ جَاءَ) الثانية (فَقَالَ: قَدْ نَهْيتُهُنَّ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى: كون نساء جعفر لم يُطعن الناهي لهنّ عن البكاء، إما لأنه لم يُصرّح لهنّ بأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - نهاهنّ، فظنت منه أنه كالمحتسب في ذلك، وكالمرشد للمصلحة، أو لأنهنّ غُلبنَ في أنفسهنّ على سماع النهي لحرارة المصيبة. واللَّه تعالى أعلم انتهى (٣).

(فَقَالَ: "انْطَلِقْ، فَانّهُهُنّ"، فَانْطَلَقَ) أي فنهاهنّ أيضا، فلم يطعنه (ثُمَّ جَاءَ) الثالثة (فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، فَابَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ) ولفظ الشيخين: "فأتاه الثالثة، قال: واللَّه غلبننا يا رسول اللَّه" (قَالَ: "فَانْطَلِقْ، فَاحْثُ) بضمّ المثلّثة، وبكسرها، يقال: حثا يَحْثُو، ويَحْثِي. قال في "المصباح": حثا الرجلُ الترابَ يَحثوه حَثْوًا، ويَحْثيه حَثْيًا، من باب رَمَى لغةٌ: إذا هاله -أي صبّه- بيده، وبعضهم يقول: قبضه بيده، ثمّ رماه، ومنه: "فاحثوا التراب في وجهه"، ولا يكون إلا بالقبض والرمي انتهى (فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ) وفي رواية: "من التراب". قيل: يؤخذ من هذا أن التأديب يكون بمثل هذا، وهذا إرشاد عظيم قلّ من يتفطّن له (٤).

وقال في "الفتح": قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا يدلّ على أنهنّ رفعن أصواتهنّ بالبكاء، فلما لم ينتهين أمره أن يسدّ أفواههنّ بذلك، وخصّ الأفواه بذلك لأنها محلّ


(١) - "فتح"ج ٣ ص ٥١٧.
(٢) -ج٣ ص ٥١٧.
(٣) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٨٨.
(٤) - "شرح السندي"ج ٤ ص ١٥ - ١٦.