للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: "ابكين، وإياكن، ونعيق الشيطان"، ثم قال: "إنه مهما كان من العين والقلب، فمن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان، فمن الشيطان" انتهى.

قال الحافظ أبو بكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج ٣/ ١٧: وفيه علي بن زيد، وفيه كلام، وهو موثّق انتهى.

ومنها: ما أخرجه أحمد في "مسنده" عن عائشة: أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر، قالت: فوالذي نفسي بيده، لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذه الأحاديث شواهد لحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب.

والحاصل أن حديث الباب صحيح. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في أقوال أهل العلم في حكيم البكاء على الميت:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح المهذب": قال الشافعيّ، والأصحاب: البكاء على الميت جائز قبل الموت وبعده، ولكن قبله أولى، لحديث جابر بن عَتِيك - رضي اللَّه عنه -: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - جاء يعود عبد اللَّه بن ثابت … الحديث، وقد تقدّم للنسائي ١٤/ ١٨٤٦.

ولفظ الشافعيّ في "الأمّ": وأُرخص في البكاء قبل الموت، فإذا مات أمسكن. وقال صاحب "الشامل" وطائفة: يكره البكاء بعد الموت، لظاهر الحديث في النهي، ولم يقل الجمهور: يكره، وإنما قالوا: الأولى تركه، قالوا: وهو مراد الحديث، ولفظ الشافعيّ محتمل، هذا كلّه في البكاء بلا ندب، ولا نياحة (١)، أما الندب والنياحة، ولَطْم الخدود، وشقّ الجيب، وخَمْش الوجه، ونَشْرُ الشَّعْر، والدعاء بالويل والثبور، فكلها محرّمة باتفاق الأصحاب، وصرّح الجمهور بالتحريم، ووقع في كلام بعضهم لفظ الكراهة، وكذا وقع لفظ الكراهة في نصّ الشافعي في "الأم"، وحَمَلَها الأصحاب على كراهة التحريم، وقد نقل جماعةٌ الإجماعَ في ذلك. قال إمام الحرمين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ورَفعُ الصوت بإفراط في معنى شقّ الجيب، قال غيره: هذا إذا كان مختارًا، فإن كان مغلوبًا لم يُؤاخَذ به، لأنه غير مكلّف، وأما قول الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الأمّ": وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فمراده الجلوس للتعزية. انتهى كلام النووي -رحمه اللَّه تعالى- (٢).


(١) - "الندب": تعديد محاسن الميت مع البكاء، كقولها: واجبلاه، واسنداه، واكريماه، ونحوها. و"النياحة": رفع الصوت بالندب. اهـ "المجموع" ج ٥ ص ٢٨٠.
(٢) - انظر "المجموع" ج ٥ ص ٢٨٠ - ٢٨١.