للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى- في "التمهيد": وفي نهي جابر بن عتيك للنساء عن البكاء دليل على أنه قد كان سمع النهي عن ذلك، فتأوّله على العموم، فقال له رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: دعهن -يعني يبكين حتى يموت، ثم لا تبكينّ باكية- يريد واللَّه أعلم لا تبكينّ نياحًا، ولا صِيَاحًا بعد وجوب موته، وعلى هذا جمهور الفقهاء أنه لا بأس بالبكاء على الميت، ما لم يُخلَط ذلك بنُدْبة، وبنياحة، وشقّ جيب، ونشر شَعْرٍ، وخَمْش وجه. قال ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - في مثل هذا من بكاء العين، دون نياحة: اللَّهُ أضحك، وأبكى.

وقال في "الاستذكار": ما حاصله: الصِّيَاح، والنَّيَاحة لا يجوز شيء منه بعد الموت، وأما دمع العين، وحزن القلب، فالسنّة ثابتة بإباحته، وعليه جماعة العلماء.

بكى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على إبراهيم ابنه، وقال: "إنها رحمة". أخرجه مسلم. وبكى على زينب ابنته، فقيل له: تبكي؟ فقال: "إنما هي رحمة، جعلها اللَّه في قلوب عباده".

أخرجه أبو داود. وعن أنس - رضي اللَّه عنه -: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - نعى جعفرًا، وزيدًا، وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم، وعيناه تَذْرِفَان". أخرجه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "زار رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قبر أمه، فبكى، وأبكى مَن حوله". أخرجه مسلم. ورى أبو إسحاق السبيعيّ، عن عامر بن سعد البجليّ، عن أبي مسعود الأنصاريّ، وثابت ابن زيد، وقَرَظَة بن كعب، قالوا: رُخّص لنا في البكاء على الميت من غير نَوْح.

وثبت عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه نهى عن النَّوْح من حديث عمر، وعليّ، والمغيرة، وأم عطية، وأم سلمة، وأبي مالك الأشعريّ، وأبي هريرة، وغيرهم - رضي اللَّه عنه -. وأجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال والنساء، ورخّص الجمهور في بكاء العين في كلّ وقت.

وقد أخرج أحمد، وابن ماجه، واللفظ لأحمد بإسناد صحيح، عن عبد اللَّه بن عمر، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، لما رجع من أحد، سمع نساء الأنصار، يبكين على أزواجهن، فقال: "لكن حمزة لا بواكي له"، فبلغ ذلك نساء الأنصار، فجئن يبكين على حمزة، قال: فانتبه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الليل، فسمعهن، وهن يبكين، فقال: ويحهن، لم يزلن يبكين بعدُ، منذ الليلة، مُرُوهن، فليرجعن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم".

وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - قال: مُرّ على النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بجنازة يُبكَى عليها، وأنا معه، وعمر ابن الخطاب … - الحديث المذكور في الباب-. انتهى كلام الحافظ أبي عمر -رحمه اللَّه تعالى- (١).


(١) - "الاستذكار" ج ٨ ص ٣١٢ - ٣١٤.