للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأُذن لهم، فدخلوا، فرُفِع، ووقع بعض هذا المحذوف في رواية عبد الواحد، ولفظه:

"فلما دخلنا، ناولوا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الصبيّ … (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الصَّبِيُّ) أي وضع في حجره - صلى اللَّه عليه وسلم - (وَنَفْسُهُ) أي روحه (تَتَقَعْقَعُ) وفي نسخة "تقعقع" بحذف إحدى التاءين، أي تضطرب، وتتحرّك، ولا تثبت على حالة واحدة، كذا في "النهاية". والجملة في محلّ نصب على الحال من "الصبيّ".

وزاد في رواية للبخاري بعد قوله: "ونفسه تتقعقع": ما لفظه: "قال: حسبت كأنها شَنّ ولفظه في رواية: "ونفسه تقعقع، كأنها في شنّ". قال في "الفتح": والقعقعة صوت الشيء اليابس إذا حُرّك، والشّنّ بفتح المعجمة، وتشديد النون: القِرْبة الخَلَقَة اليابسة، وعلى الرواية الثانية شبّه البدن بالجلد اليابس الخَلَق، وحركةَ الروح فيه بما يُطرح في الجلد من حصاة ونحوها، وأما الرواية الأولى، فكأنه شبّه النفس بنفس الجلد، وهو أبلغ في الإشارة إلى شدة الضعف، وذلك أظهر في التشبيه انتهى (١).

(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) أي سألت بالدموع عينا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَقَالَ سَعْدٌ) أي ابن عبادة المتقدّم، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق عبد الواحد: "فقال عبادة بن الصامت"، والصواب ما في "الصحيح". قاله في "الفتح" (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟) أي أيّ شيء هذا البكاء الذي نشاهده منك؟. وفي رواية للبخاريّ: "فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ "، وزاد أبو نعيم في "المستخرج": وتنهى عن البكاء" (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هَذَا رَحْمَةٌ) أي هذا الدمع الذي تراه أثر رحمه من اللَّه تعالى، وللبخاري: "هذه رحمة"، أي الدمعة.

(يَجْعَلُهَا اللَّهُ، فِي قُلُوب عِبَادِهِ) أي أن الذي يَفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعقد من صاحبه، ولا استدعاء منه، لا مؤاخذة عليه، وإنما المنهي عنه الجزع، وعدم الصبر.

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: "قوله: "هذه رحمة": أي هذه رقّة يجدها الإنسان في قلبه، تبعثه على البكاء من خشية اللَّه، وعلى أفعال البرّ والخير، وعلى الشفقة على المبتلَى والمُصاب، ومن كان كذلك جازاه اللَّه برحمته، وهو المعنيّ بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء"، وضدّ ذلك القسوة في القلوب الباعثةُ على الإعراض عن اللَّه تعالى، وعن أفعال الخير، ومن كان كذلك قيل فيه: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية [الزمر: ٢٢] انتهى (٢).

وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا؟ الخ": معناه:


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٠٤.
(٢) - "المفهم" ج ٣ ص ٥٧٥ - ٥٧٦.