للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بغتة، والمعنى: أن الصبر الكامل الذي يُحمَد عليه صاحبه، ويثاب عليه فاعله بجزيل الأجر ما كان منه عند مفاجاة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على مدى الأيام يسلو، وينسى.

وقال في "الفتح": المعنى: إذا وقع الثبات أولَ شيء يهَجُمُ على القلب، من مقتضيات الجَزَع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضربك الشيء الصلب بمثله، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب. وحكى الخطابي عن بعضهم: أن المرأ لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته، وجميل صبره. وقال ابن بطال: أراد أن لا يجتمع على المصاب مصيبة الهلاك، وفقد الأجر. انتهى (١).

وهذا الحديث فيه قصَّةٌ، وقد ساقها البخاري في "صحيحه"، قال: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك، - رضي اللَّه عنه -، قال: مر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بامرأة تبكي، عند قبر، فقال: "اتقي اللَّه، واصبري"، قالت: إليك عني (٢)، فإنك لم تصب بمصيبتي (٣)، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلم تجد عنده بوَّابِين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".

قال الطبيبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: صدر هذا الجواب منه - صلى اللَّه عليه وسلم - من قولها: لم أعرفك على أسلوب حكيم، كأنه قال لها: دعي الاعتذار، فإن من شِيمَتي أن لا أغضب إلا للَّه، وانظري لنفسك.

وقال الزين ابن المنيّر: فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به من التقوى والصبر، معتذرةً عن قولها الصادر عن الحزن بيّن لها أن حقّ هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتّب عليه الثواب. انتهى.

قال الحافظ: ويؤيده أن في رواية أبي هريرة: فقالت: أنا أصبر، أنا أصبر. وفي مرسل يحيى بن أبي كثير، فقهال: "اذهبي إليك، فإن الصبر عند الصدمة الأولى"، وزاد عبد الرزاق فيه من مرسل الحسن: "العَبْرة لا يملكها ابن آدم". انتهى (٤). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) - "فتح" بتصرّف ج ٣ ص ٤٩٤ - ٤٩٥.
(٢) - اسم فعل، بمعنى ابعُد عني.
(٣) - وعند أبي يعلى من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، أنها قال: "يا عبد اللَّه إني أنا الحريّ الثكلى، ولو كنت مصابا عذرتني".
(٤) -"فتح"ج ٣ ص ٤٩٥.