للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عباس أن عائشة أيضًا منهنّ، وحكى ابن بشكوال أن أم هانىء أيضًا سألت عن ذلك.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ويحتمل أن يكون كلّ منهن سأل عن ذلك في ذلك المجلس، وأما تعدد القصّة ففيه بُعْدٌ، لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما سئل عن الاثنين بعد ذكر الثلاثة، وأجاب بأن الاثنين كذلك، فالظاهر أنه كان أوحي إليه ذلك في الحال، وبذلك جزم ابن بطال وغيره، وإذا كان كذلك كان الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدًا جدًّا، لأن مفهومه يخرج الاثنين اللذين ثبت لهما ذلك الحكم بالوحي، بناء على القول بمفهوم العدد، وهو معتبر هنا، كما سيأتي البحث فيه، نعم في حديث جابر بن عبد اللَّه أنه ممن سأل عن ذلك، وروى الحاكم، والبزّار من حديث بُريدة أن عمر سأل عن ذلك أيضْا، ولفظه: "ما من امرىء، ولا امرأة يموت له ثلاثة أولاد إلا أدخله اللَّه الجنة"، فقال عمر: يا رسول اللَّه واثنان؟ قال: "واثنان". قال الحاكم: صحيح الإسناد، وهذا لا بعد في تعدده، لأن خطاب النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال به انتهى (١).

(فَقَالَتْ: أَوِ اثْنَانِ؟) وفي رواية البخاريّ من حديث أبي سعيد الخدريّ: - رضي اللَّه عنه - قالت: واثنان؟، بالواو، أي أو إن مات اثنان، فما الحكم؟ وفي رواية مسلم: "واثنين" بالنصب (قَالَ: "أَوِ اثْنَانِ) أي أو إن مات اثنان، فالحكم كذلك.

ويحتمل أن يكون قوله: "أواثنان" معطوفًا على "ثلاثة"، ومثله يسمى العطف التلقينيّ، أي قل يا رسول اللَّه: أو اثنان، ونظيره قوله تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام -: {مِنْ ذُرِّيَّتِي}. وارتضى هذا الوجه العينيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

وقال في "الفتح": وهو ظاهر في التسوية بين حكم الثلاثة والاثنين، وقد تقدم النقل عن ابن بطال أنه محمول على أنه أوحي إليه بذلك في الحال، ولا بُعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين، ويحتمل أن يكون كان العلم عنده بذلك حاصلاً، لكنه أشفق عليهم أن يتّكلوا لأن موت الاثنين غالبًا أكثر من موت الثلاثة، كما وقع في حديث معاذ وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بُدٌّ من الجواب. واللَّه

أعلم.

وقال ابن التين تبعًا لعياض -رحمهما اللَّه تعالى-: هذا يدلّ على أن مفهوم العدد ليس بحجة، لأن الصحابيّة من أهل اللسان، ولم تَعتبره، إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة، لكنها جوّزت ذلك، فسألته.

قال الحافظ رحمه للَّهُ: كذا قال، والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد، إذ لو لم تعتبره لم


(١) - "فتح" ج٣ ص ٤٥٩.
(٢) - عمدة القاري ج ٦ ص ٣٨٩.