ثبت ذلك في الطفل الذي هو كَلٌّ على أبويه، فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي، ووصل له من النفع، وتوجه إليه الخطاب بالحقوق؟ ن قال: ولعلّ هذا هو السرّ في إلغاء البخاريّ التقييد بذلك في الترجمة انتهى. أي حيث قال:"باب فضل من مات له ولد، فاحتسب".
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ويقويّ الأول قوله في بقية الحديث: "بفضل رحمته إياهم"، لأن الرحمة للصغار أكثر، لعدم حصول الإثم منهم، وهل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلًا، واستمرّ على ذلك، فمات؟ فيه نظر، لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق، وكون الامتحان بهم يَخِفُّ بموتهم يقتضي عدمه.
ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشدّة الحب ولا عدمه، وكان القياس يقتضي ذلك، لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده، وتبرّمه منه، ولا سيما من كان ضيّق الحال، لكن لما كان الولد مظنة المحبّة، والشفقة، نِيطَ به الحكم، وإن تخلّف في بعض الأفراد. انتهى (١).
(إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ) تقدم أن هذا الاستثناء، وما بعده خبر "ما" الحجازية، أو خبر المبتدإ. وفي حديث عُتبة بن عبد اللَّه السلميّ، عند ابن ماجه بإسناد حسن، نحو حديث الباب، لكن فيه:"إلا تلقّوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء دخل"، وهذا أمر زائد على مطلق دخول الجنة، ويشهد له ما تقدم للمصنّف قبل بابين بإسناد صحيح، من حديث معاوية بن قرّة، عن أبيه، مرفوعًا، وفيه:"ما يسرّك أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك" (بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ") أي بفضل رحمة اللَّه تعالى للأولاد. وقال ابن التين: قيل: إن الضمير في "رحمته" للأب، لكونه كان يرحمهم في الدنيا، فيُجازَى بالرحمة في الآخرة، والأول أولى، ويؤيده أن في رواية ابن ماجه من هذا الوجه "بفضل رحمة اللَّه إياهم"، وللمصنف من حديث أبي ذر - رضي اللَّه عنه - الحديثُ التالي لهذا الحديث بلفظ: "إلا غفر اللَّه لهما بفضل رحمته إياهم". ولأحمد والطبراني، من حديث الحارث بن أُقَيش -بقاف ومعجمة مصغّرًا - عن أبي برزة - رضي اللَّه عنه - مرفوعًا: "ما من مسلين يموت لهما أربعة أفراط، إلا أدخلهما اللَّه الجنة بفضل رحمته"، وقد تقدم في الباب الماضي
وكذا في حديث عمرو بن عَبَسَة، كما تقدم.
وقال الكرماني: الظاهر أن المراد بقوله: "إياهم" جنس المسلم الذي مات أولاده،