أكثر من ذلك" صحيحة، أخرجها البخاريّ برقم [١٢٥٨]، ومسلم برقم [٢١٦٨] والمصنّف كما سيأتي [٣٤/ ١٨٨٨/ و ١٨٨٩]، فلا التفات إلى خلاف من خالفها، فإن السنّة إذا صحّت فهي الحجة برأسها، وإن خالفها الجلّ، إلا لدليل ينسخها، أو يقدّم عليها، وليس هنا شيء من ذلك، فوجب المصير إليها.
وسيأتي للمصنف -رحمه اللَّه تعالى- ترجمة خاصّة بمشروعية الزيادة في الغسل على السبعة [٣٤]، "غسل الميت أكثر من سبعة"، ويستدل بالزيادة المذكورة، فللَّه درّه، ما أحسن استنباطه -رحمه اللَّه تعالى-!!!.
وأما قول الحافظ: لم أر التعبير بقوله: "أكثر من ذلك" بعد قوله: "أو سبعا" الخ، فهو سهو منه، فقد عرفت أن التعبير به ثابت في "الصحيحين". واللَّه تعالى أعلم.
(إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ) قال العلامة ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأتى - صلى اللَّه عليه وسلم - بالنون الثقيلة لجماعة النساء من حيث إن الغسل لا يتعاطاه إلا جماعة منهنّ، لكن نظرًا للمصلحة الشرعية قد يكون لواحدة منهنّ، فحسن جمعهنّ في الرواية، وإفراد أم عطيّة في الخطاب.
قال: ومعنى "إن رأيتنّ" أي إن رأيتنّ الزيادة في العدد، وعند الاحتياج، وليس معناه التخيير والتفويض إلى شهوتهنّ، وقيل: معناه إن رأيتنّ الغسل، وما أبعده، وبنى المالكية على ذلك منهم المازريّ الخلاف عندهم في وجوب الغسل، فمن قال بالثاني قال: إن غسله سنة، ومن قال بالأول قال: إنه واجب، وهذا مبنيّ على الخلاف في أن التقييد، والاستثناء، والشرط إذا تعقب جمُلاً، هل يعود إلى جميعها، إلا ما أخرجه الدليل، أو إلى أقربها.
وتعجّب بعضهم من النوويّ في نقله الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، فإن الخلاف فيه عندهم، حكاه المازريّ وغيره، وقال القرطبيّ: الأولى أنه سنّة.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: كونه فرضا هو الحقّ، كما هو قول الجمهور، لأمر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك، وهو للوجوب عند عدم الصارف، كما هنا. واللَّه تعالى أعلم.
قال: وليس عند مالك، وبعض أصحابه في غسل الميت تحديد بعدد معيّن، ولكن يُنقّى الميت، ولا يقتصر مع ذلك على ما دون الثلاث، فإن احتيج إلى الزيادة استحبّ الوتر، وليس لذلك عنده حدّ.
قال القاضي عياض: وإلى هذا يرجع قول الشافعيّ وغيره من العلماء، وكذا إذا احتاج الغاسل إلى أكثر من ذلك، لقوله: "إن رأيتنّ ذلك"، ونحا أحمد، وإسحاق إلى أن لا يزاد على سبع، والرواية التي أسلفناها تردّ ذلك انتهى كلام ابن الملقّن