للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يتجه غيره، لأنه لو أبقي مع رطوبته لأفسد الأكفان، قال: وأما الحديث الذي في "سنن أبي داود" عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: "أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كُفِّن في ثلاثة أثواب: الحلة ثوبان، وقميصه الذي توفي فيه". فحديث ضعيف، لا يصحّ الاحتجاج به، لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه، لا سيما، وقد خالف بروايته الثقات انتهى (١).

[تنبيه]: اختلف العلماء في معنى قولها: "ليس فيها قميص، ولا عمامة": فحمله الشافعي، والجمهور على أنه ليس في الكفن موجودًا، فلا يستحبّ ذلك. وحمله مالك، وأبو حنيفة على أنه ليس معدودًا، بل يحتمل أن يكون ثلاثة أثواب، زيادة على القميص والعمامة، ومثله قوله تعالى: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} الآية [الرعد: ٢] فإنه يدلّ على أن ثَمَّ عَمَدًا، إلا أنها غير مرئيّة، والتقدير بغير عمد مرئية لكم، ويحتمل أن يتناول الصفة والموصوف جميعًا.

قال العلامة ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو حمل ضعيف، لعدم ثبوته في الحديث، بل يتضمن أن القميص الذي غُسل فيه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - نزع عنه عند تكفينه، ولا يتجه غير ذلك، لأنه لو كفّن فيه مع رطوبته لأفسد الأكفان انتهى (٢).

وقال الحافظ ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الصحيح أن معناه ليس في الكفن قميص، ولا عمامة أصلًا. وقيل: معناه أنه كفّن في ثلاثة أثواب خارجة عن القميص والعمامة. قال الشيخ تقيّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والأول أظهر في المراد.

وذكر النووي في "شرح مسلم" أن الأول تفسير الشافعيّ، وجمهور العلماء، قال: وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث، وقال: إن الثاني ضعيف، فلم يثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كُفّن في قميص وعمامة انتهى.

وترتّب على هذا اختلافُهم في أنه هل يستحبّ أن يكون في الكفن قميص وعمامة، أم لا؟ فقال مالك، والشافعيّ، وأحمد: يستحبّ أن يكون الثلاثة لفائف، ليس فيها قميص، ولا عمامة، واختلفوا في زيادة القميص والعمامة، أو غيرهما على اللفائف الثلاثة، لتصير خمسة، فذكر الحنابلة أنه مكروه، وقالت الشافعية: إنه جائز غير مستحب، وقالت المالكية: إنه مستحبّ للرجال والنساء، وهو في حقّ النساء آكد، قالوا: والزيادة إلى السبعة غير مكروهة، وما زاد عليها سرف. وقالت الحنفية: إن الأثواب الثلاثة إزار، وقميص، ولفافة. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" عن عبد اللَّه بن عمرو، وإبراهيم النخعيّ، وذكر الحنابلة أنه لو كفّن في إزار، وقميص، ولفافة لم


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ١٢.
(٢) - "الإعلام" ج ٤ ص ٤١٦ - ٤١٧.