للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكره، ولكن الأفضل الأول، وهذا جائز بلا كراهة. وقال بعض متأخري المالكيّة: يجزئ على قول مالك قميص وعمامة ولفافة، والمشهور عندهم أن الثلاثة لفائف، كما تقدم، وهو رواية ابن القاسم. وقال سفيان الثوريّ: إن شئت في قميص ولفافتين، وإن شئت في ثلاث لفائف.

وقد ظهر بذلك أن من قال: إن من الثلاثة قميصًا، فهو مخالف لهذا الحديث على الاحتمالين المتقدمين معًا، وكأنه تمسّك في استحباب القميص بإلباسه - صلى اللَّه عليه وسلم - عبد اللَّه بن أُبَيّ قميصًا، وسيأتي ذكره.

وذكر الحنفية في توجيهه أنه الذي يعتاد لبسه في الحياة، فكذا بعد الموت، ويقتضي اختلافه باختلاف عادة ذلك الميت فيما كان يلبسه في حياته، لكن قد يقال: حمل الأمر على الأكثر الأغلب.

وقال النوويّ في "شرح مسلم": قال مالك، وأبو حنيفة: يستحبّ قميص وعمامة، وتأولوا الحديث على أن معناه: ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة، وإنما هما زائدان عليها، ثم ضعفه كما تقدم، وقد عرفت أن الحنفية يجعلون القميص من جملة الثلاثة.

وروى ابن أبي شيبة في "مصنّفه" كون الميت لا يُعمّم عن الشعبيّ، وأبي الشعثاء جابر بن زيد. وحكاه ابن بطّال وغيره عن جابر بن عبد اللَّه، وعطاء، ورَوَى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه يُعَمّم، كما يُعَمَّمُ الحيُّ. وعن الحسن توضع العمامة وسط رأسه، ثم يُخَالَف بين طرفيها، هكذا على جسده. وقال مالك في "المدوّنة": من شأن الميت أن يعمّم عندنا. ورَوَى البيهقيّ في "الخلافيات" عن مالك أنه قال: ليس على هذا العمل عندنا. يعني تقميص الميت انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي قول من قال: إن السنة أن تكون الأثواب الثلاثةُ خالية عن القميص، والعمامة؛ لأنّ ظاهر هذا الحديث يدلّ على ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٨٩٩ - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ, قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ, عَنْ هِشَامٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: "كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ, بِيضٍ يَمَانِيَةٍ, كُرْسُفٍ, لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ, وَلَا عِمَامَةٌ", فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ, وَبُرْدٍ, مِنْ حِبَرَةٍ, فَقَالَتْ: قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ, وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ, وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ.


(١) - راجع "طرح التثريب" ج ٣ ص ٢٧٥ - ٢٧٧.