للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وسأزيد على السبعين". ولفظه من طريق ابن عباس، عن عمر: فتبسم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال: "أَخِّرْ عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: "إني خُيّرت، فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يُغفر له، لزدت عليها".

وعند عبد بن حميد، من طريق قتادة، قال: لما نزلت {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "قد خيّرني ربي، فواللَّه لأزيدنّ على السبعين"، وأخرجه الطبريّ، من طريق مجاهد مثلَهُ، والطبريّ أيضًا، وابن أبي حاتم، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه مثله.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذه طرق، وإن كانت مراسيل، فإن بعضها يعضد بعضًا.

ودلّ ذلك على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أطال في حال الصلاة عليه، من الاستغفار له، وقد ورد ما يدلّ على ذلك، فذكر الواقديّ، أن مُجَمِّعَ بن جارية، قال: ما رأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أطال على جنازة قطّ ما أطال على جنازة عبد اللَّه بن أُبيّ من الوقوف. وروى الطبريّ من طريق مغيرة، عن الشعبيّ، قال: قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "قال اللَّه تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، فأنا أستغفر لهم سبعين، وسبعين، وسبعين". (١) (فَصَلَى عَلَيْهِ) أي صلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على عبد اللَّه بن أُبيّ، مخالفا لعمر - رضي اللَّه عنه -.

وإنما لم يأخذ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقول عمر، وصلى عليه، إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، واستصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحقّقت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة، وكان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو، ويصفح، ثم أمر بقتال المشركين، فاستمرّ صفحه، وعفوه عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك، لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: "لا يتحدّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الإسلام، وقلّ أهل الكفر، وذَلُّوا، أمر بمجاهرة المنافقين، وحملهم على حكم مُرّ الحقّ، ولا سيما، وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك، مما أمر فيه بمجاهرتهم.

قال الحافظ: وبهذا يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد اللَّه تعالى.

وقال الخطابي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما فعل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - مع عبد اللَّه بن أبيّ ما فعل لكمال شفقته على من تعلّق بطرف من الدين، ولتطييب قلب ولده عبد اللَّه الرجل الصالح، ولتأليف


(١) - "فتح" ج ٩ ص ٢٣٤ - ٢٣٥.