للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"فصلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وصلينا عليه" أن عمر ترك رأي نفسه، وتابع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ونبّه على أن ابن عمر حمل هذه القصّة عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بغير واسطة، بخلاف ابن عباس، فإنه إنما حملها عن عمر، إذ لم يشهدها إلى آخر ما سيأتي في المسألة الثالثة، عند ذكر فوائد الحديث، إن شاء اللَّه تعالى.

قال: هذا تقرير ما صدر عن عمر، مع ما عُرف من شدة صلابته في الدين، وكثرة بغضه للكفار والمنافقين، وهو القائل في حقّ حاطب بن أبي بَلْتَعَة، مع ما كان له من الفصل، كشهوده بدرًا، وغير ذلك، لكونه كاتب قريشًا قبل الفتح: دعني يا رسول اللَّه، أضرب عنقه، فقد نافق. فلذلك أقدم على كلامه للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره، لما غلب عليه من الصلابة المذكورة.

وقال الزين ابن المنيّر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وإنما قال ذلك عمر - رضي اللَّه عنه -، حرصًا على النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومشورةً، لا إلزامًا، وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبي - رضي اللَّه عنه - كان أذن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النصّ، كما تمسّك به قوم في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظهر له فقط، ولهذا احتمل منه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أخذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتى التفت إليه، متبسمًا، كما في حديث ابن عباس بذلك انتهى (١).

(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (أَنا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ) بكسر الخاء، وفتح الياء، أو سكونها: أي بين اختيارين. قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْخِيرةُ": اسم من الاختيار، مثلُ الفِدْيَة، من الافتداء، والْخِيَرَة -بفتح الياء- بمعنى الخِيَار، والْخِيَار هو الاختيار، ومنه يقال: له خيار الرؤية، ويقال: هي اسم من تخيّرت الشيءَ، مثلُ الطِّيَرَة، اسم من تَطَيَّر، وقيل: هما لغتان بمعنى واحد، ويؤيده قول الأصمعي: الْخِيَرَةُ بالفتح، والإسكانُ ليس بمختار، وفي التنزيل: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}. وفي "البارع": خِرتُ الرجلَ على صاحبه، أَخِيرُهُ، من باب باع، خِيَرًا، وِزانُ عِنَبٍ، وخِيْرَةً، وخِيَرَةً: إذا فضّلته عليه. وخَيَّرتُهُ بين الشيئين: فوَضتُ إليه الاختيار، فاختار أحدهما، وتخَيَّره، واستخرتُ اللَّهَ: طلبت منه الْخِيَرَةَ، وهذه خَيْرَتي -بالفتح، والسكون-: أي ما أخذته انتهى (٢).

(قَالَ) أي اللَّه تعالى {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} هذا بيان، وتفسير للخِيرَتين، أي إن اللَّه تعالى خيّرني، بين الاستغفار، وعدمه، فاخترت الاستغفار. ولفظ البخاريّ من هذا الوجه: إنما خيّرني اللَّه، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ


(١) - "فتح" ج ٩ ص ٢٣٣ - ٢٣٤.
(٢) - "المصباح" في مادة خير.