للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣].

قال الحافظ: قلت: الثاني -يعني ما قاله القرطبيّ- أقرب من الأول، لأنه لم يتقدّم النهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث: "قال: فأنزل اللَّه: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: ٨٤]. والذي يظهر أن في رواية الباب تجوّزًا، بيّنَتْهُ رواية عبيد اللَّه بن عمر، بلفظ: "فقال: تصلي عليه، وقد نهاك اللَّه أن تستغفر لهم".

وروى عبد بن حميد، والطبريّ، من طريق الشعبيّ، عن ابن عمر، عن عمر، قال: لما أراد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يصلي على عبد اللَّه بن أُبيّ، فأخذتُ بثوبه، فقلت: واللَّه ما أمر اللَّه بهذا، لقد قال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] ووقع عند ابن مردويه، من طريق سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: فقال عمر: أتصلي عليه، وقد نهاك اللَّه أن تصلي عليه؟، قال: "أين؟ " قال: {أسْتَغْفِر لَهُمْ} الآية. وهذا مثل رواية الباب.

فكأن عمر - رضي اللَّه عنه - قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب، من أن "أو" ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، أي إن الاستغفار لهم، وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون: ٦]، لكن الثانية أصرح، ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة، كما سيأتي.

وفهم عمر أيضًا من قوله: {سَبْعِينَ مَرَّةً} أنها للمبالغة، وأن العدد المعيّن لا مفهوم له، بل المراد نفي المغفرة لهم، ولو كثر الاستغفار، فيحصل من ذلك النهي عن الاستغفار، فأطلقه.

وفهم أيضا أن المقصود من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت، والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهيُ عن الاستغفار تركَ الصلاة، فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد اللَّه بن أُبيّ.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في موضع آخر من "الفتح": وقد وقفت لأبي نعيم الحافظ، صاحب "حِلْية الأولياء" على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث، وتكلم على معانيه، فلخصته: فمن ذلك أنه قال: وقع في رواية أبي أسامة وغيره، عن عبيد اللَّه العمري في قول عمر: "أتصلي عليه، وقد نهاك اللَّه عن الصلاة على المنافقين"، ولم يُبيّن محلّ النهي، فوقع بيانه في رواية أبي ضَمْرة، عن العُمَريّ، وهو أن مراده بالصلاة عليهم الاستغفار لهم، ولفظه: "وقد نهاك اللَّه أن تستغفر لهم"، قال: وفي قول ابن عمر: