للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعًا، وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية.

ووقع في أصل القصّة إشكال آخر، وذلك أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أطلق أنه خُيّر بين الاستغفار لهم، وعدمه بقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، وأخذ بمفهوم العدد من السبعين، فقال: "سأزيد عليها" مع أنه سبق قبل ذلك بمدّة طويلة نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} فإن هذه الآية نزلت في قصّة أبي طالب، حين قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لأستغفرنّ لك، ما لم أُنْهَ عنك"، فنزلت، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقًا، وقصة عبد اللَّه بن أُبيّ هذه في السنة التاسعة من الهجرة، كما تقدّم، فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية؟.

قال الحافظ: وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا، حاصله أن المنهي عنه استغفارٌ تُرجَى إجابته حتى يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم، كما في قصّة أبي طالب، بخلاف الاستغفار لمثل عبد اللَّه بن أُبيّ، فإنه استغفار لقصد تطييب قلوب من بقي منهم.

قال الحافظ: وهذا الجواب ليس بمرضي عندي، ونحوه قول الزمخشريّ، فإنه قال:

فإن قلت: كيف خفي على أفصح الخلق، وأَخبَرِهم بأساليب الكلام، وتمثيلاته أن المِراد بهذا العدد أن الاستغفار، ولو كثر لا يُجدي، ولا سيما وقد تلاه قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية، فبين الصارف عن المغفرة لهم؟

قلت: لم يَخفَ عليه ذلك، ولكنه فعل ما فعل، وقال ما قال، إظهارًا لغاية رحمته، ورأفته على من بُعث إليهم، وهو كقول إبراهيم - عليه السلام -: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفي إظهار النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الرأفة المذكورة لطف بأمته، وباعث على رحمة بعضهم بعضًا انتهى.

وقد تعقبه ابن المنيّر وغيره، وقالوا: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم -، لأن اللَّه أخبر أنه لا يغفر للكفار، وإذا كان اللَّه لا يغفر لهم، فطلب المغفرة لهم مستحيل، وطلب المستحيل لا يقع من النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -.

ومنهم من قال: إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام، لاحتمال أن يكون معتقده صحيحًا. وهذا جواب