للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جيّد، وقد رجّح الحافظ في تفسير "سورة القصص" (١) أن نزول الآية كان متراخيًا عن قصة أبي طالب جدًّا، وأن الذي نزل في قصته: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية [القصص: ٥٦].

قال: إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا باللَّه ورسوله ما يدلّ على أن نزول ذلك وقع متراخيًا عن القصّة، ولعلّ الذي نزل أوّلا، وتمسّك به النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} إلى هنا خاصّة، ولذلك اقتصر في جواب عمر على التخيير، وعلى ذكر السبعين، فلما وقعت القصّة المذكورة كشف اللَّه عنهم الغطاء، وفضحهم على رؤوس الملأ، ونادى عليهم بأنهم كفروا باللَّه، ورسوله.

قال: وإذا تأمل الِمنصف وجد الحامل لمن ردّ الحديث، أو تعسّف في التأويل ظَنُّهُ بأن قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} نزل مع قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، أي نزلت الآية كاملة، لأنه لو فُرض نزولها كاملة لاقترن بالنهي العلة، وهي صريحة في أن قليل الاستغفار، وكثيره لا يُجدي، وإلا فإذا فُرض ما حرّرته أن هذا القدر نزل متراخيًا عن صدر الآية ارتفع الإشكال، وإذا كان الأمر كذلك، فحجة المتمسّك من القصّة بمفهوم العدد صحيح، وكون ذلك وقع من النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - متمسّكًا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه، فللَّه الحمد على ما ألهم، وعلّم انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى ملخصًا (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي حرّره الحافظ حسنٌ جدًّا، وسيأتي زيادة البحث فيما يتعلّق بتأخر نزول آية {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية عن وفاة أبي طالب في "باب النهي عن الاستغفار للمشركين" ١٠٢/ ٢٠٣٥ - إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٩٠١ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ, عَنْ سُفْيَانَ, عَنْ عَمْرٍو, قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا, يَقُولُ: "أَتَى النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَبْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ, وَقَدْ وُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ, فَوَقَفَ عَلَيْهِ, فَأَمَرَ بِهِ, فَأُخْرِجَ لَهُ, فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ, وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ, وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ".


(١) - هذا هو الصواب فما وقع في "الفتح" في تفسير "سورة التوبة"، من أنه ذكر هذا البحث، والترجيح في "كتاب الجنائز" غير صحيح، بل ذكر ذلك في تفسير"سورة القصص"، فتنبّه.
(٢) - "فتح" في تفسير "سورة التوبة"ج ٩ ص ٢٣٨ - ٢٤٠.