للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خبّاب، فالقسم الأول، وما التحق به توفّر له أجره في الآخرة، والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يُحسب عليهم ما وصل إليهم، من مال الدنيا، من ثوابهم في الآخرة، ويؤيّده ما أخرجه مسلم، من حديث عبد اللَّه بن عمرو، رفعه: "ما من غازية، تغزو، فتغنَمُ، وتَسْلَمُ، إلا تعجّلوا ثلثي أجرهم … " الحديث. ومن ثَمَّ آثر كثير من السلف قلّة المال، وقنعوا به، إما ليتوفّر لهم ثوابهم في الآخرة، وإما ليكون أقلَّ لحسابهم عليه (١).

(مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ) أي من هؤلاء الذين لم يأكلوا من أجرهم شيئًا مصعب بن عُمير -بصيغة التصغير- ابن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيّ، يجتمع مع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في قُصيّ، وكان يُكنى أبا عبد اللَّه، من السابقين إلى الإسلام، وإلى هجرة المدينة، قال الحافظ ابن عبد البرّ: أسلم قديما، والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه، فعَلِمَه عثمان بن طلحة، فأعلم أهله، فأوثقوه، فلم يزل محبوسًا، إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مع من رجع إلى مكة، فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، ثم أحدًا، ومعه اللواء، فاستُشهد. وقال البراء: أول من قدم علينا مُصعب ابن عمير، وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان القرآن، أخرجه البخاريّ في "صحيحه". وذكر ابن إسحاق أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أرسله مع أهل العقبة الأولى، يقرئهم، ويُعلّمهم، وكان مصعب، وهو بمكة في ثروة، ونعمة، فلما هاجر صار في قلّة، فأخرج الترمذيّ من طريق محمد بن كعب، حدثني من سمع عليًا، يقول: "بينما نحن في المسجد، إذ دخل علينا مصعب بن عُمير، وما عليه إلا بُردة، له مرقوعة بفروة، فبكى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما رآه للذي كان فيه من النعم، والذي هو فيه اليوم" (٢).

(قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ) جملة مستأنفة، أو في محلّ نصب على الحال من "مصعب"، أي استُشهد في غزوة أحد، وكان صاحب لواء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يومئذ، ثبت ذلك في مرسل عُبيد بن عُمير بسند صحيح، عند ابن المبارك في "كتاب الجهاد". قاله في "الفتح" (فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا، نكَفِّنُهُ فِيهِ، إِلَّا نَمِرَةً) بفتح النون، وكسر الميم، ثم راء: هي إزار، من صوف، مخطّط، أو بُردة. وفي "المصباح": والنّمِرَة" بفتح النون، وكسر الميم: كساء فيه خطوط، بِيض، وسُودٌ، تلبسه الأعراب، قال ابن الأثير: وجمعها نِمَار، كأنها أُخذت من لون النمر، لما فيها من السواد والبياض انتهى (٣) (كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ) أي سترنا


(١) - "فتح" ج ١١ ص ٢٨٢ - ٢٨٣. طبعة دار الريان.
(٢) - راجع "الإصابة" ج ٩ ص ٢٠٨ - ٢٠٩. و"الفتح" ج ١١ ص ٢٨٣.
(٣) - "المصباح" في مادة نمر، و "النهاية" ج٥ ص ١١٨.