للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ") يحتمل أن يراد بالجنازة نفس الميت، وبوضعه جعله في السرير، ويحتمل أن يريد السرير، والمراد وضعها على الكتف، والأول أولى، لقوله بعد ذلك: "فإن كانت صالحة، قالت … "، فإن المراد به الميت، ويؤيده ما في الرواية المتقدّمة: "إذا وضع الرجل الصالح على سريره، قال: قدّموني … ". كذا قال في "الفتح".

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بل الوجه الأول هو المتعيّن، إذ على الثاني يكون قوله: "فاحتملها الرجال على أعناقهم" تكرارًا، ولا يمكن جعله تأكيدًا، إذ لا يناسبها الفاء، فليُتأمل، نعم ضمير "احتملها" بالسرير أنسب، إذ هو المحمول أصالة، والميت تبعًا، لكن يكفي في صحة إرادة الميت كونه محمولًا تبعًا، ويحتمل أن يكون المراد بالضمير السرير بالاستخدام انتهى. (١)

وقد تقدّم الخلاف، هل المتكلّم جسد الميت -كما هو الراجح- أو روحه، في الحديث الذي قبله. وباللَّه تعالى التوفيق.

(فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ، عَلَى أَعنَاقِهِمْ، فَإِن كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُوني، قَدمُونِي، وَإِنْ كَانَث غَيرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا) أي ياويل الجنازة، أي هلاكها احضر، فهذا أوانك. ولفظ البخاريّ: "قالت لأهلها". قال الطيببيّ: أي لأجل أهلها، إظهارًا لوقوعه في الهَلَكَة، وكلّ من وقع في هلكة دعا بالويل.

وإنما أضاف الويل إلى ضمير الغائب، وإن كان القياس أن يقول: يا ويلي، حملا على المعنى، كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نَفَر عنها، وجعلها كأنها غيره، ويؤيّد ذلك ما تقدّم في الرواية السابقة، بلفظ: "يا ويلي، أين يذهبون بي"، فدلّ على أن ذلك من تصرّف الرواة، انتهى. (٢) (إِلَى أَيْنَ تذْهَبُونَ بِهَا) قالته لأنها تعلم أنها لم تقدّم خيرًا، وإنها تَقدَم على ما يسوؤها، فتكره القدوم عليه. وفي نسخة: "أين يذهبون بي" (يَسْمَعُ صَوْتَها) وفي نسخة: "صوته": أي الميت (كُلُّ شَيْءٍ)

أي حتى الجمادات، وقيل: الحيوانات (إِلاَّ الإِنْسَانَ) بالنصب على الاستثناء، لأن الكلام تام موجب، كما قال في "الخلاصة":

مَا اسْتَثْنَتِ الَّا مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ … وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوَ كَنَفيِ انْتُخِبْ

إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وَانْصِبْ مَا انْقَطَع … وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبدَالٌ وَقَعْ


(١) - "شرح السنديّ" ج ٣ ص ٤١.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ٥٤٠.