للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلَوْ سَمِعَهَا) الضمير للجنازة على حذف مضاف، أي لو سمع صوتها المُزْعِجَ بالويل ("الْإِنسَانُ لَصَعِقَ") بكسر العين المهملة، من باب تَعِبَ: أي لمات، أو غُشي عليه، من شدّة هول ذلك الصوت. قال ابن بزيزة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو مختصّ بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح، فمن شأنه اللطف، والرفق في كلامه، فلا يناسب الصعق من سماع كلامه انتهى.

ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح أيضًا لكونه غير مألوف. وقد روى أبو القاسم ابن منده هذا الحديث في "كتاب الأهوال" بلفظ: "لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء"، فإن كان المراد به المفعول دلّ على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضّا.

وقد استشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر: "فيضربه ضربةً، فيصعق صعقةً (١)، يسمعه كلّ شيء، إلا الثقلين". والجامع بينهما الميت والصعق، والأول استُثني فيه الإنس فقط، والثاني استثني فيه الجنّ والإنس.

والجواب أن كلام الميت بما ذُكر لا يقتضي وجود الصعق -وهو الفزع- إلا من الآدميّ، لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجنّ في ذلك. وأما الصيحة التي يصيحها المضروب، فإنها غير مألوفة للإنس والجنّ جميعًا، لكون سببها عذاب اللَّه، ولا شيء أشدّ منه على كلّ مكلّف، فاشترك فيه الجنّ والإنس. واللَّه تعالى أعلم.

واستُدلّ به على أن كلام الميت يسمعه كلّ حيوان ناطق، وغير ناطق، لكن قال ابن بطّال: هو عامّ أريد به الخصوص، وأن المعنى يسمعه من له عقل، كالملائكة، والجن، والإنس، لأن المتكلّم روح، وإنما يسمع الروحَ من له روح مثله.

وتُعُقّب بمنع الملازمة، إذ لا ضرورة إلى التخصيص، بل يستثنى إلا الإنسان، كما هو ظاهر الخبر، وإنما اختصّ الإنسان بذلك إبقاء عليه، وبأنه لا مانع من إنطاق اللَّه الجسد بغير روح، كما تقدّم. انتهى (٢).

والحاصل الصواب أن جسد الميت يتكلّم، وأنه يسمعه كل شيء، إلا المستثنى، وهو الإنسان، كما هو ظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان ..

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:


(١) - الصعَقُ محرّكة: شدة الصوت، أي صاح صيحة شديدة.
(٢) - قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا مبنيّ على أن المراد لو سمعه أحياناً، وإلا فلو سمعه على الدوام لما بقي غير مألوف، واللَّه أعلم انتهى "شرح السنديّ" ج ٣ ص ٤١ ..