للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يرشد إلى ذلك ما رواه أحمد من حديث أبي قتادة -رَحِمَهُ اللَّهُ- بإسناد صحيح، أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يصلّ على الذي أثنوا عليه شرّا، وصلى على الآخر انتهى (١).

وقال الداوديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفَسَقَة، لأنهم يُثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدوّ لا تقبل انتهى.

ونقل الطيبيّ عن بعض شرّاح "المصابيح" قال: ليس معنى قوله: "أنتم شهداء اللَّه في الأرض" أن الذي يقولونه في حقّ شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحقّ الجنة من أهل النار بقولهم، ولا بالعكس، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرًا رأوه منه كان ذلك علامة كونه من أهل الجنّة، وبالعكس.

وتعقّبه الطيبيّ بأن قوله: "وجبت" بعد الثناء حُكْمٌ عَقَبَ وصفًا مناسبًا، فأشعر بالعلّيّة، وكذا قوده: "أنتم شُهداء اللَّه في الأرض"، لأن الإضافة فيه للتشريف، لأنهم بمنزدة عالية عند اللَّه، فهو كالتزكية للأمّة بعد أداء شهادتهم، فينبغي أن يكون لها أثرٌ، قال: وإلى هذا يومىء قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} الآية [البقرة: ١٤٣].

قال الحافظ: وقد استشهد محمد بن كعب القُرَظيّ لما روى عن جابر نحو حديث أنس - رضي اللَّه عنه - بهذه الآية، أخرجه الحاكم. وقد وقع ذلك في حديث مرفوع غيرِه عند ابن أبي حاتم في التفسير، وفيه أن الذي قال للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما قولك: وجبت" هو أُبَيّ بن كعب.

وقال النوويّ: قال بعضهم: معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أَثْنَى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقًا للواقع، فهو من أهل الجنّة، فإن كان غير مطابق فلا، وكذا عكسه. قال: والصحيح أنه على عمومه، وأن من مات منهم، فألهم اللَّه تعالى الناس الثناء عليه بخير، كان دليلًا على أنه من أهل الجنّة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك، أولا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام، يُستدلّ به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى.

قال الحافظ: وهذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد، وابن حبّان، والحاكم من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "ما من مسلم


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٩٦.