للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

-رَحِمَهُ اللَّهُ-: "خيرًا" صفة لمصدر محذوف، فأقيمت مقامه، فنُصبت، لأن أُثني مسند إلى الجارّ والمجرور، قال: والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر، والإسناد إلى الجارّ والمجرور قليل انتهى.

(فَقَالَ عُمَرُ) - رضي اللَّه عنه - (وَجَبَتْ) أي ثبتت الجنّة (ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى) أي بجنازة أخرى (فَأُثْنيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَث، ثُمَّ مُرَّ بالثَّالِثِ) هكذا نسخ "المجتبى" "بالثالث" بالتذكير، وإنما ذكّره، وإن كان صفة لجنازة، لَأنها بمعنى الميت، وقد تقدّم أن الجنازة تطلق على الميت، على خلاف في فتح الجيم، وكسرها، والذي في "الكبرى"، و"صحيحِ البخاري": "بالثالثة"، ولا إشكال فيه، لأنه صفة لجنازة (فَأثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ عُمَرُ) - رضي اللَّه عنه - (وَجَبَتْ، فَقُلْتُ) القائل هو أبو الأسود المذكور -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟) هو معطوف على مقدّر، أي قلت: هذا شيء عجيب، وما معنى قولك لكلّ منها: وجبت مع اختلاف الثناء بالخير والشرّ.

(قَالَ) عمر - رضي اللَّه عنه - (قُلْتُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ) قال في "الفتح": الظاهر أن قوله: "أيما مسلم" هو المقول، فحينئذ يكون قول عمر لكلّ منها: "وجبت" قاله بناء على اعتقاده صِدقَ الوعدِ المستفادِ من قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أدخله اللَّه الجنة".

وأما اقتصار عمر على ذكر أحد الشقّين، فهو إما للاختصار، وإما لإحالته السامع على القياس، والأول أظهر.

وعُرِف من القصّة أن المُثْنِيَ على كلٍّ من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد، وكذا في قول عمر: قلنا: "وما وجبت" إشارةٌ إلى أن السائل عن ذلك هو وغيره. وقد وقع في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: آية ١٤٣] عند ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أن أبيّ بن كعب ممن سأل عن ذلك (١).

(شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ) أي من المسلمين، وظاهره العموم، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك، أو لا، كما اختاره النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وقد تقدم ذلك (قَالُوا: خَيْرًا) تفسير لشهادتهم، أي أثنوا عليه خيرًا. واللَّه تعالى أعلم (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ"، قُلْنَا: أَوْ ثَلَاثَةٌ؟)

وفي رواية البخاريّ: "وثلاثة" بالواو، أي أو شهد له ثلاثة، فما الحكم؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("أَوْ ثَلَاثَةٌ") أي أو شهد له ثلاثة، أدخله اللَّه الجنة.

وفيه اعتبار مفهوم الموافقة، لأنهم سالوا عن الثلاثة، ولم يسألوا عما فوق الأربعة، كالخمسة مثلاً. وفيه أن مفهوم العدد ليس دليلًا قطعيّا، بل هو في مقام الاحتمال. قاله


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٥٩٧.