للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتّصل به من عنق وصدر انتهى ملخّصًا (١).

[تنبيه]: من آداب العاطس أن يَخفِض صوته بالعُطاس، ويرفع بالحمد، وأن يُغطّي وجهه، لئلا يبدو من فيه، أو أنفه ما يتأذّى به جليسه، ولا يَلْوِي عنقه يمينا، ولا شمالًا، لئلا يتضرّر بذلك.

قال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجًا للأعضاء، وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه، ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يَأْمَن من الالتواء، وقد شاهدنا مَن وقع له ذلك.

وقد أخرج أبو داود، والترمذيّ بسند جيّد عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: "كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا عطس وضع يده على فيه، وخفض صوته". وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند الطبرانيّ.

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومن وفوائد التشميت تحصيل المودّة، والتأليف بين المسلمين، وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكبر، والحملِ على التواضع، لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يَعْرَى عنه أكثر المكلّفين، انتهى (٢).

(وَيَنْصَحُ لَهُ) أي يريد له الخير، أو يُصَفِّي له الودّ، قال المازريّ: النصيحة مشتقة من نَصَحتُ العسل: إذا صفّيته، يقال: نصح الشيءُ: إذا خلُص، ونصح له القولَ: إذا أخلصه له، أو مشتقّة من النصح، وهي الخياطة بالْمِنْصَحة، وهي الإبرة، والمعنى أنه يَلُمّ شعث أخيه بالنصح، كما تلُمّ الْمِنصَحَة، ومنه التوبة النصوح، كأن الذنب يُمَزّق الدين، والتوبة تخيطه. وقال الخطابيّ: النصحية كلمة جامعة معناها حِيَازة الحظّ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تُسْتَوفَى بها العبارةُ عن معنى هذه الكلمة انتهى (٣).

(إِذَا غَابَ، أَوْ شَهِدَ") أي في جميع أحواله، إذ الأحوال لا تخلو عن غَيبَة وحضور، والمقصود أنه لا يقصِّر النصح على الحضور فقط، كحال كثير من الناس، يُراعون النصيحة في الحضور، ويهملونها في الغيبة، بل الواجب أن ينصح في كلّ الأحوال، في الحضور والغيبة، والسرّ والعَلَن، لأن الدين النصحية، فقد أخرج مسلم -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى في "صحيحه" عن تميم الداريّ - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه قال: "الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: "للَّه، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".


(١) - راجع "الفتح" ج ١٣ ص ٢٤٧ "كتاب الأدب".
(٢) - "فتح" ج ١٢ ص ٢٤٨ "كتاب الأدب".
(٣) - راجع "الفتح" ج ١ ص ١٦٧ "كتاب الإيمان". نسخة دار الريان.