للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حرير، وقولا: إنها تُشبه المِخَدَّة، تُحشَى بقطن، أو ريش، يَجعلها الراكب تحته، وهذا يوافق تفسير الطبريّ، والأقوال الثلاثة يحتمل أن لا تكون متخالفةً، بل الميثرة تطلق على كلّ منها، وتفسير أبي عبيد يحتمل الثاني، والثالث.

وعلى كلّ تقدير، فالميثرة، إن كانت من حرير، فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير، ولكن تقييدها بالأحمر أخصّ من مطلق الحرير، فيمتنع إن كانت حريرًا، ويتأكد المنع إن كانت مع ذلك حمراء، وإن كانت من غير حرير، فالنهي فيها للزجر عن التشبّه بالأعاجم.

قال ابن بطّال: كلام الطبريّ يقتضي التسوية في المنع من الركوب عليه، سواء كانت من حرير، أم من غيره، فكان النهي عنها إذا لم يكن من حرير للتشبّه، أو للسرف، أو التزيّن، وبحسب ذلك تفصيل الكراهة بين التحريم والتنزيه، وأما تقييدها بالحمرة، فمن يَحمل المطلق على المقيّد وهم الأكثرون يخصّ المنع بما كان أحمر انتهى (١).

وقال الحافظ ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال النوويّ: قال العلماء: الميثرة، وإن كانت من الحرير، كما هو الغالب فيما كان من عادتهم، فهي حرام، لأنه جلوس على حرير، واستعمال له، وهو حرام على الرجال، سواء كان على رحل، أو سرج، أو غيرهما، وإن كانت ميثرة من غير حرير، فليست بحرام، ومذهبنا أنها ليست مكروهة أيضًا، فإن الثوب الأحمر، لا كراهة فيه، فسواء كانت حمراء، أم لا، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لبس حُلَّة حمراء. وحكى القاضي عياض، عن بعض العلماء كراهتها، لئلا يظنها الرائي من بُعُد حريرًا انتهى.

وقال ابن قدامة: قال أصحابنا: يكره لبس الأحمر، وهو مذهب ابن عمر، والصحيح أنه لا بأس به، وأحاديث الإباحة أصحّ.

وقال أبو العباس القرطبيّ: وأما من كانت عنده الميثرة من جلود السباع، فوجه النهي عنها أنها لا تَعْمَل الذّكاة فيها، وهو أحد القولين عند أصحابنا، أو لأنها لا تُذكَّى غالبًا.

قال ولي الدين: لكنها تطهر بالدباغ، إلا أن العلماء اختلفوا في طهارة الشعر تبعًا للجلد، إذا دُبغ، والمشهور عند الشافعية عدم طهارته، وقالت الحنفية بطهارته، والأغلب في المياثير أنها لا شعر عليها، واللَّه أعلم.

وقد يقال: إن المعنى في النهي عن المياثير ما فيه من الترفّه، وقد يتعذّر في بعض الأوقات، فيشقّ تركها على من اعتادها، فيكون حينئذ إرشادًا، نُهي عنه لمصلحة


(١) - "فتح" ج ١١ص ٤٩٠ - ٤٩١. "كتاب اللباس" رقم الحديث ٥٨٣٩.