للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دنيوية، وقد يكون لمصلحة دينيّة، وهي ترك التشبّه بعظماء الفرس، لأنه كان شعارهم ذلك الوقت، فلما لم يصر شعارًا لهم، وزال ذلك المعنى زالت الكراهة، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقد عرفت أن الميثرة قُيّدت تارة بكونها حمراء، وأطلقت تارة، فمن يحمل المطلق على المقيّد يخصّ النهي بالحمراء، ومن يأخذ بالمطلق، وهم الحنفيّة، والظاهريّة، فمقتضى مذهبهم طرد النهي عنها، وإن لم تكن حمراء.

ووقع في حديث علي - رضي اللَّه عنه - عند أبي داود: "ونُهي عن مَيَاثير الأُرْجُوان". فإن فُسّر الأرجوان بمطلق الأحمر ساوى الرواية التي فيها المياثر الحمر، وإن فسّرناه بالمصبوغ بصبغ مخصوص، فمقتضاه اختصاصه بالمصبوغ بذلك الصبغ المخصوص خاصّة، وأنه لا يتعدّى لما سواه إلا أن تكون تعديته بطريق القياس، واللَّه أعلم. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: التعليلات التي ذكروها في سبب النهي عن المياثر، من كونها حريرًا، أو غير ذلك، لم تُذكر في الحديث، فالظاهر أن النهي عام في جميع أنواع المياثر، سواء كانت من حرير، أو من غيره، وسواء كانت حمراء، أو غيرها، كما تقدّم عن الطبريّ، وأن النهي للتحريم في الجميع، إذ النصّ لم يفرّق بين نوع ونوع، واللَّه تعالى أعلم.

(وَالقَسِّيَّةِ) أي نهى عن لبس الثياب القَسّيّة، وهي بفتح القاف، وتشديد المهملة، بعدها ياء النسبة. وقد ذكر البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "صحيحه" تفسيرها فيما علّقه عن عاصم يعني ابن كُليب عن أبي بُردة، قال: قلت لعلي: ما القسّيّة؟ قال: ثيابٌ أتتنا من الشام -أو من مصر- مُضَلَّعَةٌ (٢) فيها حرير، وفيها أمثال الأُتْرُتْجِ (٣) انتهى.

وقال في "الفتح": وذكر أبو عبيد في "غريب الحديث" أن أهل الحديث يقولونه بكسر القاف، وأهل مصر يفتحونها، وهي نسبة إلى بلدة، يقال لها: القَسّ، رأيتها، ولم يعرفها الأصمعيّ، وكذا قال الأكثر: هي نسبة للقَسّ بمصر، منهم الطبريّ، وابن سِيدَهْ، وقال الحازميّ: هي من بلاد الساحل، وقال المهلّب: هي على ساحل مصر، وهي حصن بالقرب من الْفَرَمَا، من جهة الشام، وكذا وقع في حديث ابن وهب أنها تلي الفرَمَا -والْفَرَمَا بالفاء، وراء مفتوحة- وقال النوويّ: هي بقرب تِنِّيس، وهو متقاربٌ.

وحكى أبو عبيد الهرويّ عن شَمِر اللغويّ أنها بالزاي، لا بالسين، نسبة إلى الْقَزّ، وهو


(١) - "طرح التثريب" ج ٣ ص ٢٣١.
(٢) - أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع.
(٣) - أي إن الأضلاع التي فيها غليظة معوجّة.