للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم أخرج بسنده عن أبي موسى الأشعريّ - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكُّوا العاني". وأخرج أيضًا حديث البراء - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب.

قال في "الفتح": قوله: "باب وجوب عيادة المريض" كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة. قال ابن بطّال: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية، كإطعام الجائع، وفكّ الأسير، ويحتمل أن يكون للندب، للحثّ على التواصل والألفة، وجزم الداوديّ بالأول، فقال: هي فرض، يحمله بعض الناس عن بعض.

وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حقّ بعض دون بعض. وعن الطبريّ: تتأكّد في حقّ من تُرجى بركته، وتُسنّ فيمن يراعى حاله، وتباح فيما عدا ذلك.

ونقل النوويّ الإجماع على عدم الوجوب. يعني على الأعيان. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي ما جزم به الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، من وجوب عيادة المريض، لصريح الأمر في قوله: "وعودوا المريض"، لكنه على الكفاية كما قال الداوديّ، وأما ما ذهب إليه الجمهور من الندب، فيحتاج إلى صارف للأمر عن الوجوب إلى الندب، ولم يذكروا ذلك، وأما ما قاله الطبريّ من التفصيل بين من تُرجى بركته وغيره، فمما لا دليل عليه، وأما ما ادعاه النوويّ من الإجماع، فقد أجاب عنه الحافظ بأنه يقصد عدم الوجوب على الأعيان، فلا يخالف القول الأول. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: يستحبّ عيادة الذميّ، قال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "صحيحه": "باب عيادة المشرك"، ثم أخرج بسنده عن أنس - رضي اللَّه عنه - أن غلاما ليهود، كان يخدُم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فمرض، فأتاه يعوده، فقال: "أسلم" فأسلم انتهى.

قال ابن بطال - رضي اللَّه عنه -: إنما تشرع عيادته إذا رُجِي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، فاما إذا لم يُطمَع في ذلك، فلا انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والذي يظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى، قال الماورديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عيادة الذميّ جائزة، والقربة موقوفة على نوع حرمة، تقترن بها، من جوار، أو قرابة انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن استحباب عيادة الذميّ هو الأرجح، اقتداء


(١) - "فتح" ج ١١ ص ٢٥٩ - ٢٦٠.