للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ) شرطيّة، أو موصولة (تَبِعَ) يقال: تَبِعَ زيد عمرًا، من باب تَعِبَ: مشى خلفه، أو مرّ به، فمضى معه، قاله في "المصباح". وفي حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند البخاريّ بلفظ: "اتّبِع" بالتشديد، من الاتباع. وللأصيلي "تبع" بحذف الألف، وكسر الموحّدة، كلفظ المصنف هنا.

قال في "الفتح": وقد تمسّك بهذا اللفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل، ولا حجّة فيه، لأنه يقال: تبعه، إذا مشى خلفه، أو إذا مَرَّ به، فمشى معه، وكذلك اتبعه بالتشديد، وهو افتعل منه، فإذًا هو مقول بالاشتراك، وقد بيّن المرادَ الحديثُ الآخر المصحّح عند ابن حبّان وغيره، من حديث ابن عمر في المشي أمامها، وأما أتبعه بالإسكان، فهو بمعنى لَحِقه، إذا كان سبقه، ولم تأت به الرواية هنا انتهى (١).

أتئبيه]: لم يُبَيَّن في هذا الحديث ابتداءُ الاتباع، وقد بُيِّن في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند مسلم، ولفظه: "من خرج مع جنازة من بيتها"، ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -: "فمشى معها من أهلها". ومقتضاه أن القيراط يختصّ بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرّح المحبّ الطبريّ وغيره.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلى فقط، لأن كلّ ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيّع مثلاً، وصلّى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: "أصغرهما مثل أحد" تدلّ على أن القراريط تتفاوت.

ووقع أيضًا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم: "من صلى على جنازة، ولم يتبعها، فله قيراط"، وفي رواية نافع بن جُبير، عن أبي هريرة، عند أحمد: "من صلى، ولم يتبع، فله قيراط"، فدلّ على أن الصلاة تحُصِّلُ القيراطَ، وإن لم يقع اتباع. ويمكن أن يُحمَل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن؟ فيه بحث.

قال النوويّ في "شرح البخاريّ" عند الكلام على طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، في "كتاب الإيمان" بلفظ: "من اتبع جنازة مسلم، إيمانًا، واحتسابًا، وكان معها حتى يُصلّي عليها، وُيفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين … " الحديث: ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يَحْصُلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلًا، وذهب إلى القبر وحده، فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد انتهى.


(١) - "فتح" ج ١ ص ١٥٠ "كتاب الإيمان" رقم الحديث ٤٧.