للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو محمد بن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ويصلّى على الميت الغائب بإمام وجماعة، قد صلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على النجاشيّ - رضي اللَّه عنه -، ومات بأرض الحبشة، وصلى معه أصحابه عليه صفوفًا، وهذا إجماع منهم، لا يجوز تعدّيه انتهى (١).

وقال الإمام الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الصلاة على الميت دعاء له، فكيف لا يُدعَى له، وهو غائب، أو في القبر.

وذهبت الحنفيّة، والمالكية إلى أنه لا تشرع الصلاة عليه مطلقًا.

وذهب بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه، أو ما قرب منه، لا إذا طالت المدة، حكاه ابن عبد البرّ. وذهب ابن حِبّان إلى أنه إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، قال المحبّ الطبريّ: لم أر ذلك لغيره. واعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشيّ بأعذار، منها أنه كان بأرض لم يصلّ عليه بها أحد، ومن ثمّ قال الخطابيّ: لا يُصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض، ليس فيها من يصلي عليه، واستحسنه الرويانيّ، وترجم بذلك أبو داود في "السنن"، فقال: "باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر". قال الحافظ: وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار أنه لم يصلّ عليه في بلده أحد انتهى.

وممن اختار هذا التفصيل شيخ الإسلام ابن تيميّة، والمقبليّ، واستدلّ له بما أخرجه الطيالسيّ، وأحمد، وابن ماجه، وابن قانع، والطبرانيّ، والضياء المقدسيّ، عن أبي الفيل، عن حذيفة بن أَسِيد، أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "إن أخاكم مات بغير أرضكم، فقوموا، فصلّوا عليه".

ومن الأعذار قولهم: كُشف له - صلى الله عليه وسلم - حتى رآى، فيكون حكمه حكم الحاضرين بين يدي الإمام الذي لا يراه المؤتمون، ولا خلاف في جواز الصلاة على من كان كذلك.

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال. وتعقّبه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع.

قال الحافظ: وكأن مستند القائل بذلك ما ذكره الواحديّ في أسباب النزول بغير إسناد عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: "كُشف للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عن سرير النجاشيّ، حتى رآه، وصلى عليه". ولابن حبّان من حديث عمران بن حصين - رضي اللَّه عنهما -: "فقاموا، وصفّوا خلفه، وهم لا يظنّون إلا أن جنازته بين يديه". ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره، عن يحيى: "فصلينا خلفه، ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قُدّامنا".


(١) - "المحلى" ج ٥ ص ١٦٩.