للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن الأعذار أن ذلك خاصّ بالنجاشيّ، لأنه لم يثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى على ميت غائب غيره. وتعقّب بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى على معاوية بن معاوية الليثيّ، وهو مات بالمدينة، والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان إذ ذاك بتبوك، ذكر ذلك في "الاستيعاب".

وروي أيضًا عن أبي أمامة الباهليّ مثل هذه القصّة في حقّ معاوية بن مقرّن. وأخرج مثلها أيضًا عن أنس في ترجمة معاوية بن معاوية المزنيّ، ثم قال بعد ذلك: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقويّة، ولو أنها في الأحكام لم يكن شيء منها حجة.

وقال الحافظ في "الفتح"، متعقّبًا لمن قال: إنه لم يصلّ على غير النجاشيّ، قال: وكأنه لم يثبت عنده قصّة معاوية بن معاوية الليثيّ، وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قويّ بالنظر إلى مجموع طرقه انتهى.

وقال الذهبيّ: لا نعلم في الصحابة معاوية بن معاوية، وكذلك تكلّم فيه البخاريّ.

وقال ابن القيّم: لا يصحّ حديث صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم - على معاوية بن معاوية، لأن في إسناده العلاء بن يزيد، قال ابن المدينيّ: كان يضع الحديث.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مجيبًا عمن قال بأن ذلك خاصّ بالنجاشيّ: إنه لو فُتح باب هذا الخصوص لا نسدّ كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفّرت الدواعي إلى نقله انتهى.

وقال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قال المالكيّة: ليس ذلك إلا لمحمد - صلى اللَّه عليه وسلم -. قلنا: وما عمل به محمد - صلى الله عليه وسلم - تعمل به أمته. -يعني لأنَّ الأصل عدم الخصوص- قالوا: طُوِيت له الأرضُ، وأُحضرت الجنازة بين يديه. قلنا: إن ربّنا عليه لقادر، وإن نبيّنا - صلى اللَّه عليه وسلم - لأهلٌ لذلك، ولكن لا تقولوا: إلا ما رويتم، ولا تخترعوا حديثًا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابت، ودعوا الضعاف، فإنه سبيل إتلاف، إلى ما ليس له تلاف انتهى.

وقال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قولهم: رُفع الحجاب عنه. ممنوع، ولئن سلّمنا، فكان غائبًا عن الصحابة الذين صلّوا عليه مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. قال العلامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بعد ذكر ما تقدّم:

والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتدّ به، سوى الاعتذار بأن ذلك مختصّ بمن كان في أرض لا يصلّي عليه فيها أحد، وهو أيضًا جمود على قصّة النجاشيّ، يدفعه الأثر، والنظر انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي في هذه المسألة قول من قال


(١) - "نيل الأوطار" ج ٤ ص ٦٠ - ٦٣.