للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ما يُبعث يوم القيامة نسمةً تامّةً، وقد كُتب عليه الشقاء والسعادة، فلأيّ شيء يترك الصلاة عليه؟، وقد ذكر عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صلوا على أطفالكم"، رواه المغيرة بن شعبة - رضي اللَّه عنه -يعني الحديث الآتي في الباب التالي، وتقدّم أيضًا وثبت أن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - صلى على مولود، ذكر نافع أنه لم يكن استهلّ، وصلى أبو هريرة - رضي اللَّه عنه - على المنقوص الذي لم يعمل خطيئة، وقال: "اللَّهم أعذه من عذاب القبر" انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى باختصار (١).

وقد رجّح المجد ابن تيمية في "المنتقى" قول أحمد، وإسحاق، حيث قال: وإنما يُصلّى عليه إذا نُفخت فيه الروح، وهو أن يستكمل أربعة أشهر، فأما إن سقط لدونها فلا، لأنه ليس بميت، إذ لم يُنفخ فيه روح، وأصل ذلك حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، قال: حدثنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث اللَّه إليه ملكًا بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وشقيّ، أو سعيد، ثم يُنفخ فيه الروح". متفق عليه. انتهى.

قال الشوكاني بعد ذكر كلام ابن تيمية هذا: ومحلّ الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر، ولم يستهلّ، وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يُصَلّى عليه، وهو الحقّ، لأن الاستهلال يدلّ على وجود الحياة قبل خروج السقط، كما يدلّ على وجودها بعده، فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة في مشروعية الصلاة على الطفل، وأنه لا يكتفى بمجرّد العلم بحياته في البطن فقط انتهى كلام الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح مذهب القائلين بالصلاة على المودود مطلقًا، سواء استهلّ، أو لم يستهلّ، بعد أن تمّ له أربعة أشهر، كما هو مذهب أحمد، وإسحاق، ورجحه المجد ابن تيمية -رحمهم اللَّه تعالى-، لحديث المغيرة بن شعبة الآتي في الباب التالي، وقد تقدّم أيضًا، مرفوعًا: "الطفل يُصلّى عليه"، ولفظ أبي داود: "السقط يُصلى عليه". وهو حديث صحيح، كما تقدّم الكلام عليه في ٥٥/ ١٩٤٢.

وأما حديث الاستهلال الذي رجح به الشوكانيّ عدم الصلاة إذا لم يستهلّ، وهو ما أخرجه الترمذيّ، من حديث جابر - رضي اللَّه عنه - أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الطفل لا يصلى عليه، ولا


(١) - "الأوسط" ج ٥ ص ٤٠٣ - ٤٠٦.
(٢) - "نيل الأوطار" ج ٤ ص ٥٧ - ٥٨.