للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ههنا" (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَهُوَ هُوَ؟) أي أهذا المحمول هو ذلك الرجل الذي قال مقالته التي سبقت؟ (قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ) بتخفيف الدال في الموضعين، أي أخلص للَّه في قوله، وعهده (فَصَدَقَهُ) أي جازاه بتحقيق رغبته (ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) والظاهر أن تكفينه في جبته - صلى اللَّه عليه وسلم - لبركتها، وإلا فالسنة أن يُكفّن الشهيد في ثيابه، فقد أمر - صلى اللَّه عليه وسلم - في قتلى أحد أن يُنزع عنهم الحديد، والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم، وثيابهم، رواه أبو داود، وابن ماجه، وفي سنده ضعف، لكن يشهد له ما أخرجه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، عن جابر رضي اللَّه قال: "رُمي رجل بسهم في صدره، فمات، فأُدرج في ثيابه، كما هو، ونحن مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -) (ثُمَّ قَدَّمَهُ) أي وضعه بين يديه (فَصَلَّى عَلَيْهِ) هذا محلّ الترجمة، حيث يدلّ على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلّى على شهيد (فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ) أي تبيّن لمن صلّى معه من الدعاء لذلك الميت (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ) أي على المذكور من هجرته في سبيل اللَّه، ثم قتله شهيدًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث شدّاد بن الهاد - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أخرجه هنا ٦١/ ١٩٥٣ - وفي "الكبرى" ٦١/ ٢٠٨٠. واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "الكبرى" بعد إخراجه لهذا الحديث: ما نصّه:
قال أبو عبدالرحمن: ما نعلم أحدًا تابع ابن المبارك على هذا، والصواب ابن أبي عَمَّار، عن ابن شدّاد بن الهاد، وابن المبارك أحد الأئمة، ولعلّ الخطأ من غيره. واللَّه أعلم انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الظاهر أن المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- يريد إعلال الحديث بالإرسال، فإن ابن شدّاد تابعيّ، لكن الذي يظهر أن انفراد ابن المبارك بوصله كاف، لأنه إمام ثبت، فزيادته مقبولة، فلا يؤثّر مخالفة غيره له بالإرسال، فلعل المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أعرض عن ذكر هذا الإعلال لما اختصر "المجتبى"، لعدم تأثيره. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو مشروعيّة الصلاة على الشهداء.