للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنها: أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يعامل كلّ أحد على حسب حاله، فقد أذن لهذا الأعرابيّ في الهجرة، لكونه ممن يقوم بحقّها، ومنع منها الأعرابي الذي قد منا ذكره، لكونه ممن لا يقوم بحقها. ومنها: شدة عنايته - صلى اللَّه عليه وسلم - بأصحابه، ولا سيما الغرباء، فقد أمر بعض أصحابه أن يقوم بشان هذا الأعرابيّ، لئلا يناله مشقة الغربة، فيحمله على أن يبغض الإسلام، كما وقع لبعضهم، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما -، أن أعرابيا، بايع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على الإسلام، فأصاب الأعرابيَّ وَعْكٌ (١) بالمدينة، فجاء الأعرابي إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللَّه، أقلني بيعتي، فأبى رسولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي، فابى، ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما المدينة كالكِير، تَنفِي خَبَثَها، ويَنصَعُ (٢) طيبها".

ومنها: كون الغنيمة حلالاً. ومنها: أن الغنيمة تقسم بين من حضر الوقعة. ومنها: أن الإمام يقسم الغنيمة، لمان لم يجتمع الغزاة، فمن حضر أعطاه حظّه، ومن غاب حفظه له. ومنها: مشروعية حِرَاسة ظهور الجيش، لئلا يفاجئهم العدوّ من جهتها. ومنها: استحباب الإعراض عن الغنيمة، وإن كانت حلالاً، لئلا ينقص من أجر الغزو شيء، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن عبد اللَّه بن عمرو، - رضي اللَّه عنهما - أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "ما من غازية تغزو، في سبيل اللَّه، فَيُصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة، تَمَّ لهم أجرهم". ومنها: فضل صدق العبد ربّه في معاملته، ليجازيه على صدقه، فإن هذا الرجل لما صَدَق في كونه غزا ليفوز بالجنة، لا لعَرَض الدنيا، حقق اللَّه تعالى رغبته في ذلك، فاستُشهِد، ودخل الجنّة. ومنها: عدم مشروعية غسل الشهيد، حيث إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يغسل هذا الشهيد. ومنها: مشروعية تكفين الشهيد. ومنها: مشروعيّة الدعاء للميت في الصلاة عليه، وقد ثبت الأمر بذلك، فيما رواه أبو داود، وصححه ابن حبّان، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "إذا صلّيتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثالثة: في اختلاف أهل العلم في الصلاة على الشهداء:

قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على الشهيد، فقال بعضهم: لا يصلى على الشهيد، وهو قول أهل المدينة، وبه يقول الشافعيّ، وأحمد. وقال بعضهم: يصلّى على الشهيد، واحتجّوا بحديث النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه


(١) - بفتح، فسكون: أي وجع الحُمّى.
(٢) - من باب نفع: أي يخلُص.