حكم قد ثبت. وأيضًا لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره الطحاويّ، كذا قال الحافظ.
قال العلامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وأنت خبير بأن دعوى الاختصاص خلاف الأصل، ودعوى أن الصلاة بمعنى الدعاء يردّها قوله في الحديث:"صلاتَهُ على الميت". وأيضًا قد تقرّر في الأصول أن الحقائق الشرعيّة مقدّمة على اللغويّة، فلو فُرض عدم ورود هذه الزيادة لكان المتعيّنُ المصيرَ إلى حمل الصلاة على حقيقتها الشرعيّة، وهي ذات الأذكار والأركان. ودعوى أنها واقعة عين لا عموم لها يردّها أن الأصل فيما ثبت لواحد، أو لجماعة في عصره - صلى اللَّه عليه وسلم - ثبوته للغير. على أنه يمكن معارضة هذه الدعوى بمثلها، فيقال: ترك الصلاة على الشهداء في يوم أحد واقعة عين، لا عموم لها، فلا تصلح للاستدلال بها على مطلق الترك بعد ثبوت مطلق الصلاة على الميت، ووقوعِ الصلاة منه على خصوص الشهيد في غيرها، كما في حديث شدّاد بن الهاد، وأبي سلّام.
وأما حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، وما ورد في معناه من الصلاة على قتلى أحد قبل دفنهم، فأجاب عن ذلك الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بأن الأخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يصلّ على قتلى أُحُد، قال: وما روي أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى عليهم، وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصحّ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث أن يستحي على نفسه انتهى.
وأجيب أيضًا بأن تلك الحالة الضيّقة لا تتسع لسبعين صلاة، وبأنها مضطربة، وبأن الأصل عدم الصلاة.
قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ولا يخفى عليك أنها رُويت من طرق يشدّ بعضها بعضًا (١)، وضيق تلك الحالة لا يمنع من إيقاع الصلاة، فإنها لو ضاقت عن الصلاة لكان ضيقها عن الدفن أولى.
ودعوى الاضطراب غير قادحة، لأن جميع الطرق قد أثبتت الصلاة، وهي محلّ النزاع. ودعوى أن الأصل عدم الصلاة مُسَلَّمَة قبل ورود الشرع، وأما بعد وروده فالأصل الصلاة على مطلق الميت، والتخصيص ممنوع. وأيضًا أحاديث الصلاة قد شَدّ من عضدها كونُها مثبتة، والإثبات مقدّم على النفي، وهذا مرجّح معتبر.
والقدح في اعتباره في المقام ببُعْد غفلة الصحابة عن إيقاع الصلاة على أولئك
(١) - قد عرفت ما فيها من الضعف الشديد، فلا تصلح لمعارضة الأحاديث الصحيحة، فتفطّن.