للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشهداء مُعارَض بمثله، وهو بُعْدُ غفلة الصحابة عن الترك الواقع على خلاف ما كان ثابتًا عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الصلاة على الأموات، فكيف يرجّح ناقله، وهو أقلّ عددًا من نقلة الإثبات الذي هو مظنّة الغُفُول عنه، لكونه واقعًا على مقتضى عادته - صلى اللَّه عليه وسلم - من الصلاة على مطلق الميت.

ومن مرجّحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يُرو النفي إلا عن أنس، وجابر، وأنس عند تلك الواقعة من صغار الصبيان، وجابر قد روى أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى على حمزة، وكذلك أنس، كما تقدّم (١)، فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة على الشهيد في تلك الواقعة، ويبعد كلّ البعد أن يخصّ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بصلاته حمزة لمزيّة القرابة، ويدع بقية الشهداء، ومع هذا فلو سلّمنا أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يصل عليهم حال الواقعة، وتركنا جميع هذه المرجحات لكانت صلاته عليهم بعد ذلك مفيدة للمطلوب (٢)، لأنها كالاستدراك لما فات، مع اشتمالها على فائدة أخرى، وهي أن الصلاة على الشهيد لا ينبغي أن تترك بحال، وإن طالت المدّة، وتراخت إلى غاية بعيدة. قال: وأما حديث أبي سلّام، فلم أقف للمانعين من الصلاة على جوابٍ عليه (٣)، وهو من أدلّة المثبتين، لأنه قُتل في المعركة بين يدي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وسماه شهيدًا، وصلى عليه. نعم لو كان النفي عامّا غير مقيّد بوقعة أحُد، ولم يرد في الإثبات كير هذا الحديث لكان مختصّا بمن قُتل على مثل صفته انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تلخّص مما تقدّم من مناقشة هذه الأحاديث أن أحاديث صلاة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على قتلى أُحُد يومَ أُحد لا تثبت، ولا تصلح لمعارضة ما في "الصحيح" من حديث جابر - رضي اللَّه عنه - أنه لم يصلّ عليهم، وإن حاول الشوكانيّ إثباتهَا، وذَكَرَ المرجحات لذلك، فهي كما قال الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: كان ينبغي لمن عارض بهذه الأحاديث أن يستحي على نفسه انتهى.


(١) - لكن قد عرفت أن رواية الإثبات عنهما ضعيفة، لا تقاوم النفي الثابت عنهما في الصحاح، فتبصّر.
(٢) -يعني صلاته على قتلى أحد بعد ثمان سنين، وهذا الوجه هو المعتبر المعوّل عليه مما ذكره الشوكاني لإثبات الصلاة على الشهيد، وحاول إثباته مع الضعف المعارَض بما صحّ في "صحيح البخاريّ" وغيره، فتنبّه.
(٣) - قد تقدّم أن راويه سلّام بن أبي سلّام مجهول، فهذا هو الجواب عنه، فلو ثبت لكان هو الثالث لحديثي جابر، وشداد الذين اعتمدنا عليهما في صحة مذهب القائلين بجواز الصلاة على الشهيد، كما يأتي قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.
(٤) - "نيل الأوطار" ج ٤ ص ٥٢ - ٥٦.